امرأة بنسخة جديدة

بين أشرعة نزار الحالمة التي تُمخر عُبَابَ الْبَحْرِ ومقطوعاته الفنية تقدّست المرأة وظهرت ملامحها الشفافة.

لقد أصبحت مناظرات القديس نزار قباني السِّيمْفُونِيَّة التي حررت المرأة من منزل “سي السيد” في رواية “بين القصرين” لنجيب محفوظ وجعلتها أميرة لها لغتها الخاصة.

المرأة في رِحاب نزار ترْأَس أكاديمية تُنصت لجَلَبَة الحب وضجيجه من مناهجها البحثية عندما قال: “الحضارة أنثى والثقافة أنثى واللغة أنثى والقصيدة أنثى والشجرة أنثى والثورة أنثى”.

يا سيِّدتى: أنتِ خلاصةُ كلِّ الشعر، ووردةُ كلِّ الحرياتْ.

لقد ارتشفت من معين جمال كلماته وحلّقتُ بعيدًا في ملكوت الزهو عندما قال: “كونك امرأة عليكِ أن تعلمي أنكِ نصف الحياة، وأنكِ البياض، أنكِ الربيع، وقطرة غيث لأرض قاحلة”.

وهل أستطيع إلا رسم كلمات نزار حاملةً عنوان امرأةٍ ترفل بالدِّمَقْس وتتبختر في مشية الكاعب الحسناء؟!

ربما نصادف في حياتنا أشباه نزار يخْتَبِئوْن خلف حصانة الخجل أو منهم من يتوارى بين طيات الحاضر المتعجرف، إلا أن هناك من يعلو صوته بحب متصدرًا أحاديث الإنصاف بأجمل المعاني قديمها وحديثها.

ففي إحدى الأمسيات الرمضانية الرائعة وصفت امرأة مُسنّة الفتاة قديما قائلة: “بيت فيه بنت لا يجوع جيرانه”.

حروف تتبعها ألحان، وكلمات تشقّ الجمال بأطروحات امتزجت بعنفوان الحياة وأريجها النقي، تُهدي المرأة تيجان السمو مرصّعة بأجمل حُلي ولآلئ وضّاءة تشْمخ للسماء.

أجل لقد أزهر الحاضر بفتاة ذات نسخة جديدة تقلدّت أدوار المرأة الرجل، واعتلت سحائب المجد، وأسقطت جميع المفروضات السطحية بلا استثناءات فاضحة.

كانت امرأة وأصبحت رجلًا وامرأة في مُكون واحد.

إن انبعاث قوة المرأة لم يكن محصّلة تكافؤ كفتي ميزانٍ علميّا واقتصاديًا أو وظيفيًا بالرجل، إنما لأنها تجرّدت من الضعف وخالفت الرأي البائس بتجميدها في بقعة لا تُجيز لها الانصهار في واقع التحدي، إنها حينما تخالف الرأي هي نصف المجتمع وحينما توسّع دائرة النقاش بثقة لأن هناك أصل قاعديّ وقفت صامدة على أرضه ُمودّعة أسراب المبادئ الانتهازية، إذ ظهر ضابطًا لحقوقها ومفسّرا جميع الأحجيات المبهمة التي تخصُّ أنوثتها وشخصيتها القيادية المُلهمة.

“لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ” استلهمت منه المرأة نصيبها المفروض ووضعت على جانبيه قواعد تخالف قواعد المألوف الذي أصبح معتادًا.

بقوسها ونبالها سددت مواطن القوة وعاشت استقلالًا بجانب محبيها بالرغم من إدارتها لجميع شؤونها المنزلية.

جددت جميع قوافي المعايير الاجتماعية دون خوف لأنها مؤمنة بأن المرأة الأم التي تهز ّمهد طفلها ليلًا تصارع لتنهض صباحا لعملها، وكأن هناك قوة جبّارة تلمّست جراحها فضمدتها بعناية.

للمرأة القوية أسرتها التي تعشقها فكانت غِراس هيامها وسيدة العروة الوثقى بها وميراث العهد الأسمى عندها، ميثاقها لا انفصام له لأن الحب غذّاها، واستثمارها فيها ربح لا نفاد له لأنها تأسست على قواعد إيمانية راسخة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاس…﴾.

نأمل ألّا تكون شفافية امرأة نزار أرجوحة كذّبوها فعقروها، إذ قد تشكّل حقيقة يرتابها البعض ويحاول البعض الآخر العبور من خلالها نحو مصالحهم الذاتية.


error: المحتوي محمي