هذه الوصية صادرة من حكيم مجرب خبر الأمور، وعرفها على حقيقتها، فهي خلاصة ما توصلّ إليه بعد عمرٍ حافلٍ بالمجاهدة، والصبر على المصاعب الكثيرة، إنه علي (ع) وهو على فراش المرض يخاطب أولاده يقول لهم: “قولوا للناس حُسْنَا كما أمركم الله عز وجل”.
وهنا أشار (ع) إلى قاعدة قرآنية أمر بها الله تعالى، وما أحوجنا إلى هذه القاعدة، خاصةً أننا ـ في حياتنا ـ نتعامل مع أصناف مختلفة من البشر، فيهم المسلم وفيهم الكافر، وفيهم الصالح والطالح، وفيهم الصغير والكبير، بل ونحتاجها للتعامل مع أقرب الناس لنا: الوالدين، والزوج والزوجة والأولاد، بل ونحتاجها للتعامل بها مع من تحت أيدينا من الخدم، ومن في حكمهم.
إلا أننا نلاحظ مجموعة من الأمور والصفات السلبية أخذت تبرز عند الكثير من الناس، سواء على الصعيد الأخلاقي أو السلوكي، في البيت والشارع، وفي أماكن العمل، لا سيما عندما يدب الخلاف فيما بينهم تراهم يستعملون كلام الفحش، فيخاطبون بعضهم بعضاً بالكلمات التي تخدش الحياء، أو التي تهتك الأعراض وتسيء إلى الكرامات، وهؤلاء هم الفحّاشون الذين يمارسون ما يسمى بالبذاء، ويستخدمون كلمات اللعن فيما بينهم فيلعنون بعضهم بعضاً..
ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: “إن الله يبغض الفاحش المتفحّش”.
وفي الحديث عن بعض أصحاب الإمام جعفر الصادق (ع) قال: “كان لأبي عبدالله (ع) صديق يكاد لا يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين ومعه غلام سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة – أي يا ابن الزانية – أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله (ع) يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثم قال: “سبحان الله، تقذف أمه! قد كنت أرى أن لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع”، فقال: جُعلت فداك، إن أمه سندية مشركة، فقال (ع): “أما علمت أن لكل أمّة نكاحاً، تنحّ عني”، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما..
فالإمام (ع) يحثنا على أن نكون مظهرًا له، ومظهرًا لأدبه مع المسلم أو غير المسلم فكيف مع المؤمن؟! فالمؤمنون هم أولى بأخلاقنا، ببسمتنا، بحسن تعاملنا، بقربنا، باحتوائنا، وباحتضاننا.
ونختتم بشىء من مكارم أخلاق الإمام الحسن (ع) الذي نعيش هذه الأيام ذكرى ميلاده، فكان (ع) يغضي عمن أساء إليه ويقابله بالإحسان، فقد كانت عنده شاة فوجدها يومًا قد كُسِرَتْ رجلها فقال (عليه السلام) لغلامه:
من فعل هذا بها؟
قال: أنا
قال: لم ذلك؟!
قال: لأجلب لك الهم والغم، فتبسم (عليه السلام) وقال له: لأسرك فاعتقه وأجزل له في العطاء.
——————
اللهم اجعلنا على دربهم سائرين، وبمنهجهم متمسكين، ولسننهم فاعلين، وعنهم مدافعين، وعلى حوض نبينا يوم القيامة واردين، بمحمد وآله الطاهرين.