تبدو بعض الصور التي تحدث عند بعض إشارات المرور، حين تظهر بعض المركبات، وكأنّها مركبات سباقات «الفورمولا» التي تتأهب للانطلاق، هكذا يبدو المشهد حينما تحاول بعض السيارات الدخول على تلك التي أمامها من أي مساحة، وعبر كل ما يمكن أن يتصوره سائق إحدى المركبات المتسابقة لاقتحام خطوط الوقوف.
يعلّق أحد الأطفال حول ما شاهده مصادفة في طريق عودته من المدرسة، بينما كان والده يقف تمامًا عند إحدى الإشارات المرورية، فيقول لأبيه: لقد تعلمنا أنّ المجتمع الذي يكون فيه سائق السيارة أول منتهكي النظام المروري، سيكون مجتمعًا بطيئًا في التقدم، ولن تتوفر لديه القدرة على مواكبة مستوى الوعي الذي يميز مجتمعًا مُوازيًا له.
في اتجاه تربوي، يؤكد بعض المربين بأنّ السلوك القويم غرسٌ تُنمّيه التنشئة الأسرية المستقرة، وبالتالي فإنّ مفهوم الأسرة يأخذ بعدًا محوريًا في تربية وتنشئة الشخصية الصالحة، والحديث يستمر لنفس المربّي، حين يشير إلى أنّ انكسار شخصية أحد الأبناء في أسرة، يمثل خسارة كبيرة تكاد أن لا تُعوّض، وليست خسارة تماثل – حسابيا – قضية انكسار تحفة ثمينة، فقد نعوض التحفة بأخرى، ولكن كما يقول المربي ذاته: أنّى لنا أن نجبر انكسارًا في إنسان؟
هذا يأخذنا إلى دور الاستقرار ومعنى ضروراته داخل العائلة الواحدة، أو ما يمكن أن ينشأ عن هذا الضابط النفسي من أجواء حميمة وترابط أسري يرفد قيم الأخلاق والسلوك بدوافع ورغبات تحقيق الذوات غير المضطربة والشخصيات المتوازنة التي لا ينمو في تربتها «حسك السعدان»، وإنما تتبرعم في حبيباتها بذور الورد وتأرج بعبير النرجس وعبق المحمّدي.
الطفل الذي قرأ تجاوز بعض السيارات على النظام المروري، ستتوفر في شخصيته غالبًا مجموعة من الذكاءات المتعددة، ومن أهمها الذكاء اللفظي، والذكاء الإدراكي، والقدرة على التحليل، والبدهية السريعة، بالإضافة إلى الذكاء العقلي ومجموعة المهارات المعرفية والملكات الإبداعية التي تنمو في منحنى بياني صاعد نحو أرقام لافتة في تميزها، مثل هذه الشخصيات ذات البراءة، قد نجدها خلال أكثر أبنائنا وبناتنا، بيد أنّ عدم امتلاكنا المهارات التربوية والمعرفية يكون سببًا في خنق ذرات الأكسجين المتهدّج قبل أن تصل إلى أعضاء الجهاز التنفسي في أولادنا.
إنّ ما يمكن ملاحظته بأن الأبناء تتكون لديهم مفردات تعود للمعجم المنزلي والعائلي كأساس أوّلي، بل تجد أن طريقة النبر والتلفظ هي تلك التي عند الوالدين، لأن الطفل في طور الاكتساب، فهو كما قيل: كالأرض الخالية، ما أُلقي فيه قبلته.
أن تبنيَ إنسانًا، يقتضي توفير بيئة وادعة، توزع أفياء اللطف، وتنشر سنن المحبة على أوسع موازينها، فغالبُ ما يحدث في زماننا هو جفاف يُصْحر بالنفوس؛ فتجد أنّ عددًا ليس بالقليل من العائلات هم ممن لا تمطر سحائبهم حُبّا، ولا تجري شعابهم ماءً، إلى حدّ صار ربيع الأشجار الخضراء خريفًا تساقطت أفياؤه واصفرّت أغصانه.
ليالي الفرج
كاتبة رأي – صحيفة آراء سعودية