الطابع الاجتماعي للإنسان يدعوه نحو الانفتاح على علاقات مستقرة مع أقرانه، تمنحه تلك الرابطة الأمان والأنس بتبادل المشاعر والأفكار مع من يكن له المحبة والاحترام.
ومن معطيات العلاقات الناجحة والمستقرة نشوء الثقة المتبادلة بينهما، وذلك أن حالة الارتياح والانسجام بينهما تظهر بوادرها من خلال الأحاديث المتبادلة وتقارب طريقة التفكير والتطلعات المستقبلية.
وحينما تداهم الهموم و الضغوط الحياتية قلبه يحتاج إلى مخلص يستمع لتنهيداته ومختلجات مشاعره والأفكار التي تدور في عقله وتطلعاته وآماله المستقبلية، يتشاوران ويتبادلان وجهات النظر ويصلان لرؤية مشتركة، كما أن مشاعر الألم و الحزن ينفس عنها أمام صديق يثق بصدق محبته وحفظه لأسراره واهتمامه به.
والأمر المهم يتعلق بمواصفات الشخص المؤهل لنيل ثقتك واستيداع خصوصياتك عنده، فما هي تلك المعايير والصفات التي يحملها من تستأمنه عقلك وقلبك؟
كثير من الصدمات والأزمات النفسية الناجمة عن حدوث شرخ بين علاقات صداقة متينة هو فقدان الثقة، لم يكن ليخفي عنه شيئًا من خصوصياته وإذا به يشعر بيد الغدر و الخيانة تمتد إليه من مكان لم يتوقعه أصلًا، والحياة ملأى بتجارب كثيرة من الخلافات والقطيعة، والكلام الذي يردده البعض أن الثقة معدومة بالناس جميعًا فلا يمكنه الثقة بأحد!!
الاحترام والثقة المتبادلة عماد العلاقات الاجتماعية المستقرة، وبدونهما تنهار كل القيم الأخلاقية والاجتماعية وتسقط مظلة العمل الجمعي والتعاون بين الأفراد، ولكن المشكلة تكمن في اختيار الصديق الثقة بمعايير عاطفية بحتة، فأكثر قصص الخيانة بين الأصدقاء سببها الثقة العمياء التي لا تستند إلى تفكير عقلاني، بل هي مجرد ارتياح وانجذاب لمن يأنس به فيقدم له على طبق من ذهب كل آماله وخصوصياته حتى الأسرية، فإذا كان هناك من لوم يوجهه فليوجهه لنفسه وتسرعه وتهوره، فما كل من ادعى الصدق والشفافية في كل شيء في حياته تصادق على كلامه سريعًا بالعشرة، فهل جربت يومًا عرض حاجتك للمساعدة لترى ردة فعله؟
الثقة الحقيقية لا تستند على مجرد كلمات بل مرجعيتها مواقف متعددة ترسخ في نفسك صدقه وأمانته، ومن الضروري احتفاظ المرء بشيء من خصوصياته مما يخاف من إطلاع الآخرين عليه.
وفي المقابل فإن قلعة الثقة القائمة على الأسس الراسخة لا يفترض بها أن تنهار لمجرد وشاية حاقد مريض يكره أي تلاقٍ ومحبة بين اثنين، بل عليه التروي والتفكير بكل الاحتمالات بعيدًا عن الظنون السيئة.
الثقة لا تتحقق بضغطة زر ودفعة واحدة لمجرد استلطاف وارتياح نفسي لأحد، بل هي وليدة مواقف وحوارات يستشعر منها التقارب الفكري والوجداني، وللأسف فإن البعض يتأثر بالقصص العاطفية والمسلسلات التي تبرز الخيانة والغدر بين الأصدقاء كسمة غالبة على العلاقات، وتكرارها يرسخ هذه الحقيقة، وهي أن الثقة معدومة ووهم خيالي ينبغي مسحه من قاموس العلاقات، وبالتأكيد لا يمكن لأحد نفي حدوث مثل تلك المواقف الغادرة من أناس يتفننون في لبس الأقنعة ولسان المديح والكلام المعسول، ولكن التحلي بالعقلانية في الاختيار يخفف حدوث مثل تلك الحالات، فالتحلي بالذكاء الوجداني يجعلنا نمنح الثقة لمن يستحق والتي تبنى على ظروف ومواقف جعلت الآخر ورقة شفافة نعرف الكثير من دواخله، علاقة تكتنفها الصراحة في المواقف والتصرفات والارتياح المستمر، ومعرفة خفايا النفوس أمر مستصعب ولكن عين البصير الناقد لكل تصرفاته وعلاقته يجنبه الكثير من الخلافات.