الشعر فسحة كونية للشاعر؛ وهكذا يأتي الشاعر حسين علي آل عمار الذي تغلغل في الكلم، وفي جمالية المعاني، المشبعة بالإنسان، واللغة الشعرية، والصورة الجمالية، ومن خلال رؤيته الشعرية، وما اختزله في ذاته من انفتاح على الشعر لا يحده أفق ولا تؤطره حدود نبع، حمل همه الشعري، الذي يستقي من الغيمات أحرفه، كرغوة حبيبات المطر، ومن ضوء الشمس، وعلاقته بالأرض، أن تحترم القارئ، وأن تدعو رفقاء الشعر بالابتعاد عن سوسة النخيل التي تنخر جذع الشعر؛ ألا وهي الشللية، ليبتعدوا عنها، ويكونون، كقوس قزح، يحتضن الألوان من حوله، مع احتفاظ كل لون فيه بكينونته، وماهيته، وما يعرفه في أعين المبصرين، أن تشتاق للنقد الشعري، الذي يطور من المنتج، لأنت شاعر ثقافي.
من هنا، يأتي الشاعر الإنسان آل عمار في بهو «القطيف اليوم»، لنستشرف دهاليز مسيرته الشعرية، وما يختلج في رؤاه من أفكار، وأمنيات يعيشها.
س: عرّفنا ببطاقتك الشخصية والأدبية؟
ج: حسين علي عبدالله آل عمار، من سكان بلدة العوامية، ومن مواليد 1985م، وحاصل على بكالوريوس تركيبات أسنان.
س: متى بدأت قرض الشعر ليسكنك ظله وتبثه ذاتك؟
ج: البدايات كانت منذ زمن الطفولة الأول لكن التجربة الحقيقية بدأت سنة 2008م.
س: ما هي أنواع الشعر، التي تدفئها بين أصابعك كتابة؟
ج: الشعر الفصيح والشعبي بنوعيهما العمودي والتفعيلة.
س: قصيدة لا تزال تذكرها وتسكنك؛ ما هي وما قصتها؟
ج: أنا شاعر لا أكتب إلا ذاتي، لذلك كل قصيدة أكتبها تسكن ذكرياتي، وربما أقربهم مؤخرًا قصيدة “مسٌ فارغٌ لا أكثر”، وقد كتبتها في خيبة أمل بمجموعة أصدقاء، وربما هذا الدرس الحياتي لا يزال عالقًا في ذهني حتى اللحظة.
س: برأيك، كيف ينمي الشاعر من أدواته الشعرية، ويطرها؟
ج: بالقراءة وحب الاستكشاف، ومتابعة ما يحدث في الوسط الشعري.
س: في اللحظة الأولى؛ هل كان هناك انفتاح في الأفق؟ أم كانت مزدحمة بالحجب؟ أي العلاقة الأولى بين الشاعر وقصيدته هل كانت موعد لقاء كظل عشيقة تأتي خطواتها على مهل تنعشه الكلمات والمعنى؟ أو صدمة شعرية تجعله يبحر في أغوارها لتهديه القبلات أحرفها؟
ج: علاقة الشاعر بقصيدته علاقة حميمية، فكلما احترمها احترمته، وكلما قدرها قدرته، وشأن الشعر، شأن أي حرفة وموهبة، حين تمنحه كلك، سيمنحك كله.
وقد قلت في إحدى قصائدي:
إذا ما ادعيتَ الشعرَ قدِّر حضورَهُ
وإلا فعيبٌ حينما تكتبُ الشعرا
س: ما هي أول قصيدة شعرية كتبتها، وأول بيت نسجته أصابعك؟
ج: لا تسعفني الذاكرة لأول قصيدة كتبتها، فالبدايات كانت قديمة جدًا.
س: لكل شاعر نافذته التي يعانق من خلالها اليراع ليرتشفه ولادة قصيدة؛ في دنياك أيها النافذة تجعلك تحيك قصيدتك؟
ج: الشعر فسحة كونية للشاعر، ليست هناك نافذة واحدة تطل على هذا الكون الواسع، فكلما اختلف الموضوع اختلفت الإطلالة.
س: كتابتك النص هل تستحضر القارئ في بوصلة امتداد أروقتها أم تدخله التيه بعيدًا عن شرفاتها فتاة عذرية لا ينبغي كشف وجهها إلا بعد عقد قرانها؟
ج: أغلب قصائدي يتكشف فيها المعنى تدريجيًا، فأنا أحب أن أحترم عقل من يقرأ، وأمنحه المساحة الكافية معي ليحلل ويستوحي ويؤوّل.
س: غالبًا أي الفنون الشعرية تعشق؟ وأي اللون الشعري الذي تجد ذاتك فيه ويترنم مع تطلعاتك؟
ج: أنا أحترم كل الألوان الشعرية، وأحبها جدًا سواء كانت شعرًا فصيحًا، أم شعبيًا، عموديًا، أم تفعيلةً، حتى قصيدة النثر تجد متسعًا لا بأس به في ذائقتي.
س: الشاعر المحلي والعربي والأجنبي الذي تتابعه ومهووسًا به ثملاً بحرفه ومعانيه؛ ليؤثر على “أنت الشاعر”؟
ج: أنا أحب الشاعر المشغول بتحديث معانيه، وصوره، وأخيلته، وصياغاته وتركيباته، أيًا كان، ولأنني لا أحبذ ذكر أسماء معينة كي لا أبخس الكثير ممن ساهموا في إثراء تجربتي، فأنا أكتفي بالقول: “إن كل شاعر مُجدِّد هو شاعر منح حسين كل ما يملكه الآن من تجربة”.
س: من الذي يقوم بالضيافة القصيدة أم الشاعر في تكوين قصيدة ملهمة؟
ج: الشاعر، هو سيد الموقف، وما القصائد إلا بعض تجلياته.
س: الدهشة الشعرية في القصيدة كيف تراها؟
ج: كنت سابقًا ولمرحلة متأخرة أؤمن جدًا بالدهشة الشعرية لدرجة متطرفة، فغياب الدهشة عن نص ما تجعلني لا أستسيغه، ولكن مؤخرًا صرت متيقنًا أن الدهشة وإن كنت لا أزال أعتقد أنها النواة الرئيسية لكل نص ولكن الإمساك بالمعنى مطلوب، فبعض التجارب التي تغمر المشهد الأدبي في الآونة الأخيرة صارت تمسك بالدهشة، فيتفلت منها المعنى؛ لذا فإمساك العصا من المنتصف جميل حتى في الشعر.
س: هل استطاعت القصيدة الشعرية ترويض الأشياء من حولنا بعثها رغوة كاشتهاء، أتكون رحلة تاريخية، تغرز الألوان بأعماقنا، الذي نبصره ولا نبصره؟
ج: أستطيع القول جازمًا بأن الشعر من أكثر الفنون التي تستطيع خلق التغيير، فالشعر مليء بالقيم الإنسانية والجمال.
س: أين تكمن المسافة ما بين القصيدة والتغيير الاجتماعي والثقافي والعاطفي؛ هل تحمل القصيدة رسالة ما؟ أم تأتي ذاتية لتعبر عن المشاعر واستلطاف اللحظة الشعرية ومتعتها؟
ج: أنت تأخذني الآن إلى منعطف جدليّ طالما لاكته ألسن الشعراء والمتذوقين، وهو: هل الشعر فن؟ أم هو رسالة! أم هو فن رسالي؟ وأنا أرى أن الشعر أكبر من أن يُعرّف، فهو فن إن أراد شاعره أن يجعله فنًا، وهو رسالة إن أراد له أن يكون رسالةً، والأهم ألا يفقد الشعر مقوماته.
س: ما هي علاقتك بالنقد؟ ألا تتفق معي أن النقد الأدبي خصوصًا في الشعر، أشبه ما يكون معدومًا لدينا في القطيف؟ ما تعليقك؟
ج: النقد الحقيقي لا يرفضه أحد، ولكنه وبشكل واضح متراجع في منطقتنا، مقارنة بالتجارب الأدبية الناهضة.
س: كيف توصّف الشللية في عالم الشعر بالقطيف؟ وما هي دلالتها؟
ج: الشللية ظاهرة متواجدة في الوسط الأدبي بشكل عام، وليس القطيفي بشكل خاص، بالإضافة إلى التحزب للون شعري معين، أو مدرسة شعرية ما، أو جماعة أو أصدقاء.
س: هل تعتقد أن المنتديات الثقافية في القطيف أهملت الشعر؟ وما هي اقتراحاتك؟
ج: على الإطلاق، فالمنتديات الثقافية في منطقتنا تعمل على خدمة الأدب بشكل حثيث وملموس.
س: سؤال تود لو يطرح عليك فما هو؟ وبماذا تجيب عنه؟
ج: السؤال الذي يؤرقني وكنت أتمنى لو وجهته لي؛ هو: كيف ترى نظرة المجتمع للشعر والشعراء؟ وجوابي هو: مع الأسف الشديد المجتمع يحب التصنيف والشعر بكامل شموخه وغروره، يرفض التصنيفات التي قد تؤدلجه إلى فئة ما وتوجه ما، فلابد للمجتمع أن يؤمن بأن مشارب الشاعر مختلفة، ورؤاه متعددة. فالشعر فن، والفن لا يمكن أن تؤطره على الإطلاق.
س: هل صدرت لك أعمال شعرية أو إنجازات؟ وما هي؟
ج: على صعيد الأعمال الشعرية، فلدي ديوان “صمت وأشهى” الصادر عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي وقصاصات غيبيّة “ديوان ولائي” و”ما أعتقته يد البنفسج” الديوان الفائز بجائزة القطيف للإنجاز عام 1440هـ، أما على صعيد الإنجازات والجوائز الشعرية – فلله الحمد – لدي الكثير من الجوائز والأوسمة المحلية والخليجية والعربية.
س: كلمة أخيرة لك؛ ما هي؟ ولمن توجهها؟
أوجه كلمتي الأخيرة لمجتمع الشعراء في قطيفنا الحبيبة، ولي قبلهم: نحن نحتاج لأنفسنا ولا غنًى عن بعضنا البعض، وكلما بزغ نجم شاعر منا ستشرق معه القطيف. أتمنى من كل قلبي أن يلتف الشعراء حول بعضهم البعض، وأن ينبذوا الشللية المقيتة وأن يؤمنوا تمام الإيمان أنه وإن تعددت مشاربنا وألواننا الشعرية، فباقة الورود لا تحلو إلا بتعدد ألوانها وأنواعها.