بوح الليل  

يأتي الليل بعد النهار ليعلن بداية الراحة والهدوء والسكينة، فالله خلق الليل للراحة والهدوء، فقد قال تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاسًا وَٱلنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورًا}.

الليل يحلو به السهر ويحلو به حلو الكلام والتفاعل وتبادل الخواطر عبر وسائل التواصل التي تعتمد بشكل أساسي على وجود الإنترنت، وتستعمل لتسهيل تبادل الأفكار والمعلومات، كما توفّر العديد من الخدمات والمزايا للمستخدمين، فمثلًا توفر اتصالًا إلكترونيًا سهلًا بالمعلومات الخاصة بالمستخدمين، بالإضافة إلى التفاعل بالصور، ومقاطع الفيديو، والمراسلة، ومن أهم الوسائل المستخدمة للتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، هي: الهاتف الذكي، أو الكمبيوتر، أو الجهاز اللوحي، أو من خلال تطبيقات الويب.

هل يمكننا أن نضحي بصحتنا النفسية ونهدر أوقاتنا في وقت تلعب فيه وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في حياتنا؟ فماذا تقول الأدلة العلمية حول هذا الأمر؟
هناك ثلاثة مليارات شخص حول العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، أي ما يعادل 40 في المئة من سكان العالم، كما أننا نقضي في المتوسط نحو ساعتين يوميًا في تصفح هذه المواقع والتفاعل من خلالها، وذلك وفقًا لبعض الدراسات الحديثة، ويمكن القول إن هناك نحو نصف مليون تغريدة وصورة تنشر على موقع سناب تشات للمحادثة كل دقيقة.

اعتاد الناس أن يقضوا أوقات المساء في الظلام، لكن الآن أصبحت تحيط بنا الأضواء الصناعية طوال الليل والنهار، وقد توصل باحثون إلى أن ذلك يمكن أن يؤثر على إنتاج الجسد لهرمون الميلاتونين، والذي يساعد في الأساس على النوم.

ويقولون أيضًا إن الضوء الأزرق الناتج عن شاشات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية، يمكن أن يكون أسوأ شيء لصحتنا،. وبمعنى آخر، إذا كنت تخلد إلى الفراش ليلًا وأنت تتصفح فيسبوك وتويتر، فاعلم أنك مقبل على نوم مضطرب.

ربما تكون قد مررت بموقف كنت تتحدث فيه إلى أحد أصدقائك بينما أخرج هو هاتفه ليتصفح بعض الصور على موقع إنستجرام، لتعرف جيدًا مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات بين الناس، فإن مجرد وجود الهاتف يمكن أن يؤثر على علاقاتنا بالآخرين، وخاصة عندما نكون نتحدث معهم في أمور ذات أهمية، وذلك وفقًا لدراسة صغيرة نشرت مؤخرًا.

المصيبة ما يتركه مواقع التواصل على الشبيبة المراهقة وبعض النساء والبنات اللاتي لم يحالفهن الحظ في الزواج إما حدث لها “طلاق، لم يتقدم لها شخص مناسب، لاتزال تدرس، والداها يرفضا زواجها،…………”.

فما تفعله تلك النسوة في تلك الوسائل الشيطانية الخبيثة، تقشعر منه الأبدان بل ويلتبس عليّ الأمر مرارًا؛ أيهما الموسوس الحقيقي؟! أهو الشيطان للمرأة؟! أم تلك المرأة الموسوس المحترف لجميع الأبالسة؟! وهل أضحى إبليس الآن عالمًا عصريًا إلكترونيًا بوسائل التواصل الحديثة ليرشد النساء إلى تلك البؤر والمستنقعات؟!

لقد كان ماضينا أكثر مروءة وشهامة من حاضرنا، فلم يكن أحد يجرؤ على النظر في عين جارته، ووجه بنت خالته، وهيئة أخته، فأصبح عصرنا المتحضر (كما يدعون) عصر الانفتاح والانشراح، لا والله بل عصر الافتضاح والانبطاح، فالصور الشخصية ملأت المواقع، صور بكل المقاسات والهيئات والحالات، كنا نتحرز في الماضي من الوقوف أمام عدسة الكاميرا نحن والأهل خوفًا من إضاعتها فتتسرب الصورة ويراها أحد، أما الآن فلا أحد يبالي من سيرى صوره العائلية، حتى من قلة الدين والأخلاق صارت صور الأعراس والحفلات مفضوحة منتشرة، بل ويفتخر صاحبها بنشرها ويتباهى.

ما هذا العصر؟! هل هي الحرية والحضارة والمدنية والديمقراطية؟! أي حرية تسمح للرجل بالخوض في حوار مع امرأة أجنبية وبدون أي ضوابط؟! وأي حضارة تسمح لبنت أسرة ملتزمة الدردشة مع رجل غريب من باب المجاملة والشكر والتعارف (كما يدعون)؟!

للأسف هذا هو الواقع الأسود، فالكثير ممن اكتنز موقعًا للتواصل الاجتماعي يضيع ساعات طوال لتوضيح لفكرة سطحية، وتفسير لجملة ليست لها أي أهمية، وسؤال عن أصل وفصل مبتور، وكل ذلك لستر غاية رديئة، تدفعها نزوة خبيثة من الكثير (ولا نعمم) ممن يمتطون ظهر تلك الشبكات، ويكثر هذا في وقت الليل الذي جعله الله للراحة والعبادة وما أدراك ما يحدثه بوح الليل بين الجنسين، خاصة ممن ضعف الإيمان في قلبه وغلبه الشيطان.

إن الدين القويم في قلب كل إنسان هو الضابط الرئيس لتصرفات الأفراد، بعون من العقل الرشيد، وتأييد الأخلاق الكريمة، وتشجيع البيئة الملتزمة، ويقظة الضمير الحي، ودعم القدوة الحسنة، فإن غاب هؤلاء جميعًا فقد فشت الرذيلة واستفحلت، وإن فُقِد بعضها كبرت الفجوات، وزاد الخلل، وأصبحت مداخل الشياطين مُشرعة، فاتسع الخرق على الراقع.

لقد بات زماننا عالمًا غريبًا عجيبًا، فمن جهة ترى كل شيء فيه يتحرك بسرعة البرق، ومن جهة أخرى نجد روتينات وتكاليف جديدة فُرضت علينا، تُعقّد حياتنا البسيطة، وتُحمّلنا ما لا نطيق، وتلزمنا بأشياء لا يُعيق سيرَ الحياةِ فَقدُهُا.
لقد صَدّرت لنا هذه الوسائل أصنامًا عدة، منها صنم التقليد الأعمى الذي أغشى على أبصار شبابنا وبصائرهم، ومنها القدوة السيئة فأبنائنا اليوم يقتدون بفنانين ولاعبين ومصارعين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ومن تشبه بقوم فهو منهم” رواه أبو داود. هذه الوسائل مصائد للتجسس علينا في حياتنا اليومية بل وفي أخصّ أمكنتنا، فكيف نستطيع العيش في هذا الوسط المراقب ونحن بغنى عنه؟!

بانتشار هذه الوسائل أخذ الناس يستبدلونها بالصلات والقربات التي هي جزء من ديننا، فكثير منهم يقطعون الرحم حقيقة ولكنهم يرسلون وردة كل صباح مع فنجان قهوة، عبر وسيلة من وسائل الاتصال.

ختامًا: لابد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بوعي وثقافة عالية دون الانجرار نحو الإدمان أو حتى تضييع الوقت مما يؤثر على الأسرة بشكل سلبي، فنحن نحتاج لإدارة ذواتنا بشكل سليم وأن لا ننجر خلف التواصل الاجتماعي التافه وأن لا نقيم علاقات أو صداقات وهمية وسلبية، ونستخدم هذه المواقع في السبب الرئيسي الذي من أجله وجدت وهي تتيحُ إمكانية التّواصل السّريع مع الأشخاص الذين لا تسمحُ الفرصة بالتّواصل معهم على أرض الواقع سواءً لأسبابٍ اعتياديّة ككثرة الانشغالات وضيق الوقت، أو لأسبابٍ طارئة كالأزمات والحروب، فقد ساعدت هذه الشّبكات على تواصُل العائلات التي تشرّد أفرادها فكانت بَلسمًا ودواءً لكثيرٍ من القلوب والأحبّة، إضافةً إلى أنّها كانت حلًّا سهلًا ليتواصل المغتربون عن أوطانهم مع أهلهم وأحبابهم.

تُتيح العَديد من شبكات التّواصل إمكانيّة البحثِ عن عملٍ لمن يرغب في البحث عن عملٍ ضمن مجالِ اهتمامه وتخصّصه.

تُتيحُ للإنسان تطويرَ نفسه في مجال عمله وفي مجال تخصصه؛ إذ يُمكن لأيّ شخصٍ البحثُ عن المجموعاتِ الخاصّة في مجاله والتي تحوي أفرادًا لديهم الكثير من الخبرة ليستفيدوا منهم.


error: المحتوي محمي