باقة ورد قطيفية امتزجت بعتمة الليل وهدوئه أقدمها لكم أيها القراء الكرام الذين يبحثون عن الأجمل في الواقع والحقيقة.
حيرة كبيرة انتابتني عندما أمسكت قلمي لأبدأ هذا النص الذي يُفترض أنه يروي مشوار معرفتي بالبوح، فلقد تساءلت وأنا أمسك قلمي: من أين أبدأ الكتابة بالضبط؟ لا أعرف إنْ كانت كتاباتي تتميّز عن غيرها أم لا، ولكن أعرف أنّها مختلفة بمقدار اختلاف بصمتي الشخصية، لا أظن أنّ القارئ الذكي يخفى عليه جانب من شخصية الكاتب، فهو يعرف الشيء الكثير عن أخلاقه وطباعه وأفكاره بمجرد قراءة إنتاجه؛ فأنا أكتب بنبضي وفكري وصدقي الخاص، ومن يقرأني يشعر بي، ويلتصق بروحي.
انتصف الليل وارتعدت لحظة التفكير، حيث لا يكون لليل طعم القلق بل السكون، فأي ليلة أغفو فيها بعيدة عن قطيف الخير وقلم البوح هو يوم بعيد عن ذاتي، نعم ما كنت يومًا بهذا الجحود فأنا مدينة وممنونة لقطيفي ولقلمي بلا انحياز، نعم أسجد لله شكرًا على أجمل أرض حرستني وحفظت وجودي وكرامتي.
لا أخفي تخيلي أنني هنا كنت أشير للقطيف عند بداية كتابتي نصي هذا، والذي ترددت في كتابته لعله يحمل الكثير من الدهشة، وربما لا يروق لبعض القراء! ولكن للكتابة سحر عجيب وسط طقوس البوح، وكما تعودت عند الكتابة أن أحمل كوب قهوتي حتى آخر رشفة لأملأه من جديد، هكذا أنا مع طقوس الكتابة سواء كتابتي عن الشجن أو الحزن! ولا أنكر أن روحي تطير هناك وأحيانًا أتخذ مكاني هنا الخاص للتأمل! فليعذرني البعض لبوحي هذا وأنا المحظوظة، فلقد علمني الزمن ألا أتردد أو أتأخر في الكشف عن مشاعري الإنسانية الخاصة، ولا أخجل من عواطفي لثقتي أنني أمارس حقي في الفرح والوجع، ولا أعتقد أن البوح الصادق يحتاج إلى تورية إذا كان يعكس نبلًا إنسانيًا، فأنا امرأة تبوح ولي رؤيتي في المشاعر النبيلة.
ما كتبت نصًا إلا وتلبستني الدهشة مرددة مع نفسي: كيف لي بخلط الفرح الذي يشع حزنًا أو الوجع المبلل بقطرات الأمل! لا عليكم فأنا أجيد تعمير قلبي بصدق الإحساس.. قرأت ذات مرة أن البعض يخاف حين تحمل المرأة قلمًا، ويشعرون بالخوف أكثر حينما تبوح، ومع هذا فأنا اختبئ خلف سطور البوح، وقسمًا بروعة البوح ما كنت لأسمح لهذياني بالتجول بين السطور! يا إلهي كم أحتاج لبعض العبرات أن تهديني من هذا الهذيان، حيث لا أدري بهذه اللحظة من الليل كيف أشعر بالحنين بعد أن داهمتني بعض الذكريات؛ حيث الليل في القطيف معجزة.
أراهن على صدق الكلمة وأؤمن بها، وكلّ ما عداها هو وهم زائل لا شكّ، أكره المنافقين والمزيفين وأحبّ الأحرار والأتقياء في زمن الأقنعة، فأنا أحب الأشياء كما هي، ولمن هي، دون أن أتمنّى أن تكون لي؛ فأنا أحبّ الورد على أغصانه، أستمتع بالجمال ولو كان في حوزة غيري. تأثرت بكل من مرّوا في حياتي الحقيقيّة، وجميعهم تعلمت منهم بشكل أو بآخر، حتى المنافقين تعلّمت منهم ألا أكون مثلهم، كي لا أشعر بعدم الرضا عن نفسي، تفاصيل حياتي جميعها مؤثّرة في حياتي ونفسيتي، قلبي ومبادئي وإنسانيتي هي نقاط ضعفي وقوتي في آن؛ فأنا إنسانة شفافة جدّاً أفخر بصدقي وإصراري على قول: لا لكلّ قبيح.. أفخر فخراً كبيرا بأن قلمي لم يتلوث يوماً بكذب ونفاق ومداهنة.
أمي هي فقدي الأكبر في الحياة، أمي الفاضلة كانت امرأة مستحيلة فوق العادة والمألوف، وما كنت لأكون أنا لو لم تكن هي أمي؛ فهي قدوتي وملهمتي، فقلة من النّساء من يستطعن التعامل مع صعوبات الحياة وظلم الزمن، أمي ما كانت تريد شيئًا، ولا تسأل عن أي شيء وفقدت كل شيء هذه هي أمي، التي ملأت نفسي حباً لروحي المتعبة، وما تبرّمت بهمها ووجعها يوماً، وكانت تتفهم الرزق والحظ والزمن، وتؤمن بمصائب الحياة ومصاعبها، نعم هذه هي أمي فاطمة الحياة.
هل تعلمين يا أمي كم أشتاق لروحك، مبارك لعيني كحلة بخيالك بين سطوري، وجميل أن أشعر بنبضي في روحك الساكنة، تحية لك حتى ألتقي بك.