عندما تتصفح صفحاته التي تحوي 114 سورة ما بين سور طوال ومتوسطة وقصار قد تظن أنه من الصعب والمستحيل حفظ سورة طويلة منه كسورة البقرة مثلًا لكثرة المسؤوليات والمشاغل ولقلة الحافظة، فكيف بحفظ القرآن كاملاً؟!
هذا الاعتقاد قد أثبتت ثلاث حافظات للقرآن الكريم بدار الآلاء للعلوم القرآنية بالعوامية خطأه وأنه من الممكن الوصول لهذا الإنجاز وتجاوز كل عقبات المشاغل والالتزامات الخاصة بالعمل والعائلة مع التدريس بالدار.
أتحفظين القرآن؟
وتروي الحافظة ليلى محمد العبد الجبار بداية مشوارها مع الحفظ وهو من تأثير سؤال إحدى معلماتها في حلقات الدار حين سألتها أتحفظين القرآن؟ وكان جوابها بالنفي حينها، لكن السؤال بقى عالقًا في ذهنها لتقرر بعدها ضرب عصفوين بحجر واحد وهو أن تحفظ القرآن وتدرس علوم التجويد للتخلص من الأخطاء، فالتحقت بحلقة حفظ ولكنها توقفت لأحد الأسباب وحين عاودت من جديد لم تكن مناسبة لها، فعزمت على حفظ القرآن بمفردها.
وقالت عنها: “هذه كانت أولى الصعوبات التي واجهتني وهي أن أحفظ القرآن بمفردي وأفقد الحماس الموجود بالحلقة وروح التنافس الموجود بين الدارسات، وهذا ما دعى همتي للانخفاض بعض الأحيان والتوقف لأسابيع، لكني أعود وأرجع للطريق لتحقيق الحلم في أن أحمل القرآن في صدري”.
تحدي العشر صفحات
وتكمل ليلى قائلة: “من يود حفظ القرآن وينظر إلى أن حفظ القرآن هو شيء مستحيل، أو يقتصر على أصحاب العقول والذاكرة القوية، فهذا غير صحيح، فقد كنت في أيام الدراسة أعاني في حفظ العبارات الطويلة، لكن مع طريقي لحفظ القرآن الكريم شعرت باسترسال وسرعة بالحفظ، حتى إن إحدى الأخوات سألتني: هل تستطيعين أن تحفظي خلال أسبوع واحد عشر صفحات؟ وسؤالها أدخلني في مضمار تحدٍ مع نفسي حتى أصل للعشر صفحات وفعلًا وصلت لها وتجاوزتها أيضًا”.
وذكرت أنها حفظت القرآن في سنتين وتسعة أشهر رغم كل العقبات التي واجهتها، فحفظ القرآن ليس مستحيلًا، وكل ما ينقصنا هو الرغبة والثقة بالنفس وتنظيم الوقت.
الطفل مرفوض!
وتحكي الحافظة معصومة علي العبدالجبار مسيرتها مع القرآن الكريم والتي عنونتها بأنها بدأت بحلم وانتهت بحقيقة، حيث كان الحلم يراودها منذ الطفولة وكانت الرغبة موجودة لكن بمرور السنين لم يأت بخاطري دراسة القرآن نظرًا كون هذا العلم لم ير النور بمنطقتنا.
وتتابع قائلة: “وبتحفيز من ابنة عمي ليلى بالذهاب لدار القرآن أيقظت بداخلي حلمًا صغيرًا، لكن كانت لدي عقبة وهي طفلي، فالطفل في مجتمعنا مرفوض ولا يمكن تقبله، فكيف أذهب دار القرآن بصحبة طفلي؟ لكن الله أرسل لي سبيل أمل، حين التقيت ريم الشيخ إحدى الإداريات بدار الآلاء وعرضت علي الدراسة بالدار، وأخبرتها بشأن طفلي فقالت لي اذهبي معه، فبالإضافة لهذا الأمل الذي أعطتني إياه وخلال الدراسة بالدار سهّل الله لي أمر طفلي وكان هناك من يحتضنه لأكمل دراسة الحلقة”.
بكاء
وعبرت معصومة بقولها: “بأول حلقة قرآن بكيت ليس لأني حققت حلمًا، بل لأني وصلت لأرذل العمر وأنا لا أعرف قراءة كتاب الله، فقد سألت نفسي هذا السؤال؛ وصلتي لهذا العمر وأنتِ لا تعرفين قراءة آية بشكل صحيح؟! فبكيت من الأعماق وقررت مواصلة مسيرتي في القرآن”.
المسابقات والفيوضات
وذكرت معصومة أن اشتراكها بمسابقات الحفظ وأولها حفظ سورة البقرة، كانت البداية لمشوار الحفظ والتي شجعتها الحافظة رباب الخباز للالتحاق بحلقة الحفظ، بعد أن كانت تظن أن حفظ القرآن مستحيل مع مرورها ببعض الضغوطات بالعمل وكانت حينها حاملًا وظروفها كانت قاسية معه، لكنها التحقت به وسط تشجيع ممن هن حولها.
وتكمل قائلة: “بعد أن حفظت سورة آل عمران والنساء وضعت حفظ القرآن هدفًا في حياتي، حتى لو كنت أحفظ صفحة واحدة في اليوم، وعبرت بقولها: “على الأقل لو نزل ملك الموت أفد على الكريم وأنا حافظة لكتاب الله”، وهذا الخوف الذي جعلها تتجاوز كل الضغوطات والمصائب وتلجأ لحفظ القرآن الذي به حلها، لتحفظه خلال أربع سنوات.
مع انقطاع الكهرباء حفظت سورة الأنعام
وتحكي الحافظة زهراء أحمد الفرج قصتها مع حفظ القرآن والتي قضت ثلاث سنوات في حفظه، والذي كان من الأمنيات التي تحققت بالتحاقها بدار الآلاء، وقالت: “لم تواجهني مشاكل أثناء الحفظ إلا أن مشاغل الحياة كثيرة وكان القرآن عونًا لي استمديت منه القوة والعزيمة والإصرار للتغلب عليها، فحتى بفترة انقطاع الكهرباء عن منزلنا خلال الأزمة التي مرت بها بلدتنا الحبيبة العوامية إلا أنني واصلت الحفظ حتى حفظت سورة الأنعام لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا”.
وقالت: “هناك منح ربانية كثيرة يلمسها حافظ القرآن فإذا كانت بعض الجامعات كجامعة المصطفى تمنح حافظ القرآن الدراسة المجانية في جامعتها فكيف بمنح الكريم الوهاب الحافظ لكتابه”.
وتابعت: “نصيحتي للجميع أن يبادروا لحفظ كتاب الله فكلما حفظوا سورة تشجعوا لحفظ سورة أخرى، فالحفظ يوثّق الارتباط بكتاب الله بكل وقت وعلى أي كيفية، فلا يوجد عائق لتلاوته مادام محفوظًا في القلب، فينبغي على من يرغب في حفظ القرآن أن يتحلى بالمثابرة والإصرار”.
تكريم حافظات القرآن
وجاء تكريم حافظات القرآن بالحفل الختامي السنوي لدار الآلاء للعلوم القرآنية يوم الجمعة 12 إبريل2019م، في حسينية السيدة سكينة (ع) والذي حمل لأجلهن عنوان “حفظن كتابك شوقًا” وسط حضور نسائي كبير من الدارسات والمهتمات.
وأشادت مسؤولة حلقة الحفظ رباب الخباز بإنجاز الحافظات وجهادهن رغم كل ما تمر به كل واحدة من ظروف ومشاغل بالعمل والتزامات العائلة والتدريس بالدار والبعض سعين للحفظ حتى بمفردهن وكان التحاقهن بالدار للتسميع والتثبيت وكنّ نمادج لكل من يتعلل بالمشاغل، ووجهت وصيتها للحافظات بتجديد النية والإخلاص وجعل القلب الذي حوى كتاب الله قلبًا طاهرًا نقيًا، وأكدت بوصيتها لهن على أن يكنّ قرآن يمشي على الأرض لأنه قد يشبر الكل لهن بقول: “هذه حافظة كتاب الله”.
وأشارت إلى أن عدد الملتحقات بحلقة الحفظ بالدار 20 حافظة ما بين منقطعة ومستمرة وتتمنى أن يزيد مع الأيام.
من جانبها، ذكرت مسؤولة الدار بكلمتها في الحفل أن الدار لسعادتها بهذا الإنجاز للحافظات عنونت به حفل الدار الختامي وهناك بالطريق عدد لا بأس به لهذه المهمة تتمنى أن يحتفى بهم العام القادم.
وبيّنت أن من إنجازات الدار هذا العام بالإضافة لتخريج باكورة حافظاتها، أنها لبت رغبة الكثير من الأمهات في انضمام الأولاد الصغار للدار والذين بلغ عددهم 40 طفلًا، فضلًا عن توسع الدار بوجود مبنى وُضع تحت تصرفها لإقامة برامجها عليه، وبهذا يكون للدار مقر في النادي وفرع في اللبان، ليساهم في خدمة بقعة جغرافية أوسع وأتاح للدار التوسع في أنشطتها.
يُذكر أن حفل الدار حوى العديد من الفقرات القرآنية من تلاوات فردية وجماعية وتواشيح ومشهدًا تمثيليًا تحدث عن قصة السيدة مريم، وتبعه تكريم للمعلمات والإداريات، وصاحب الحفل وجود معرض قرآني عرض مناهج الدار، وركن لأهم الوسائل لشرح القاعدة النورانية، وركن لصعوبات التعلم، وركن لعرض أهم أسباب اللحون الشائعة في تلاوة القرآن وكيفية علاجها، مع وجود ركن يُدنينّ ويتضمن ألعابًا ممتعة للفتيات.