تعتبر مهمة التربية من أصعب المهمات التي تواجه الآباء والأمهات، وتحتاج إلى جهد، ووقت، ومهارة كبيرة، والذي يهمنا ويشغل بال الكثير من الأسر، هو التربية الغذائية لكونها جزءًا من التربية الشاملة.
أولادنا بحاجة إلى الاهتمام بصحتهم وفق نظام سلوك غذائي دقيق ومحكم.
إن السلوك الغذائي السليم يعني صحة جيدة، ويعني نموًا بدنيًا وعقليًا سليمًا، ويعني شبابًا حيًا قادمًا، ويعني جيلًا يتمتع بقوة ونشاط وحيوية قليل الأمراض بإذن الله تعالى.
تعد التغذية السليمة إحدى الدعائم الأساسية لبناء الأسرة، وأطفالنا الأحباء جزء من تلك الأسرة، هم بحاجة إلى الاهتمام والرعاية، فنراهم يختارون أغذيتهم حسب رغباتهم، يأكلون من مطاعم الوجبات السريعة أكثر مما يجب، ويقبلون على تناول الحلويات والمشروبات الغازية دون قيود، وشركات صناعة الحلويات والمشروبات المعدة للأطفال تتفنن في كيفية جلبهم لمنتجاتها دون مراعاة الفئة العمرية والقيمة الغذائية.
معظم الحلويات والوجبات الخفيفة المتواجدة في الأسواق ليست لها قيمة غذائية بل معظم مكوناتها إضافات اصطناعية تتفاوت آثارها حسب التراكيز المصرح بها من قبل هيئة الدستور الغذائي (INS)، وتشمل المواد الحافظة، والملونات الاصطناعية، والمستحلبات، ومضادات الأكسدة، والمثبتات، والمثخنات أو المغلظات، وعامل ضد التعجن والرغوة، ومعززات النكهة، والمحليات والنكهات الاصطناعية .
تلكم الإضافات الكيميائية موجودة للأسف في أغذية أطفالنا، تحمل كل ضرر وفساد قد تتحول إلى سموم تراكمية مزمنة عند الاستمرار في تناولها.
أكثر ما يلفت النظر هو شغف الصغار على تناولها، لكن أن نترك الحبل على الغارب لأبنائنا في التهام ما شاءوا دون قيد أو شرط بلا وعي أو تربية، ثم نحمل غيرنا الأخطاء ونشن الحملات غير الواقعية على الجهات المعنية التي سمحت بدخول مثل هذه النوعيات لأسواقنا.
والحقيقة أن غذاءنا اليوم عاثت به تقنيات القرن الواحد والعشرين بصور شتى، فبرغم أنها أضافت إليه تحسينات إلا أنها أفرزت فيه شيئًا من سمومها.
نحن هنا لا نعطي مبررات من جدوى وجودها في الأسواق، وإنما هكذا يتم تصنيع الأغذية من أجل تحسين صفاتها وحمايتها من الفساد.
وقد أثارت تلك الإضافات كثيرًا من التساؤلات الصحية وعن صلتها بالأمراض، وكان الجدل ليس لوجودها وإنما مقدار تركيزها في الغذاء وبشكل آمن صحيًا وتحت ضوابط واشتراطات مسموحة قانونيًا.
ومن هنا يأتي دور الآباء والأمهات بحماية أبنائهم من تلك الأغذية لكون معظم مكوناتها اصطناعية، والحذر من شرائها وإحضارها للمنزل إلا بعد التأكد من قراءة محتوياتها، واستبعاد كل ما هو ضار أو غير مفيد، وتشجيع الصغار على تناول الأكل الصحي، من خلال ما يرونه القدوة الحسنة من الوالدين.
فغرس الثقافة الصحية الغذائية المنزلية لأطفالنا يبعدنا عن الكثير من المشاكل الصحية.
نحن نعرف أن الأطفال لن يلتزموا بالتوجيهات والنصائح، ولن يرضخوا لما يعرض عليهم من مأكل ومشرب، لكن لا مستحيل مع الجهد، تحت شعار حمايتهم من الأمراض وسوء التغذية.
فالتوعية واستخدام أساليب التشجيع مع إبراز مخاطر تلك النوعية من الأغذية كالتخويف بالسمنة مثلًا لكونها في موقع إحراج من قبل زملائهم في المدرسة قد تحقق الهدف.
ونهيب بالأمهات الحرص على تغذية أطفالهن الصغار بأغذية منزلية، دون الاعتماد على الخادمة أو المربية للقيام بذلك الدور، وتقديم الأكل بطريقة شيقة وجذابة، واختيار الأغذية التي تناسب أعمارهم حسب مراحل نموهم.
عندما كنت في موقع إبداء الرأي حيال مشاريع المواصفات بحكم التخصص، طالبت المسؤولين المعنيين بالمواصفات القياسية المعتمدة بحظر إضافة الألوان والمحليات الاصطناعية لأغذية الأطفال، فاستجابوا من خلال المبررات التي تم تدوينها لهم، وتم إدراج بند في المواصفة الجديدة يطالب المستوردين بوضع التحذير الخاص عند إضافة الألوان والمحليات الاصطناعية على بطاقة المنتج.
هذا دليل وشاهد على مدى تأثير تلك الإضافات الكيميائية في أغذية الأطفال.
ليكون للأمهات والآباء دور كبير بالرقابة على أطفالهم فيما يأكلون ويشربون، خاصة تلك النوعية من الحلويات والوجبات الخفيفة وأغذية الأطفال التي تزخر بها أسواقنا واختيار المناسب منها والمفيد.
إننا نستطيع بشيء من الوعي والإدراك والتربية الإيجابية الصحيحة أن نربي أطفالنا بطريقة صحيحة بعيدًا عن التهويل، ومن ثم التمتع بما لذا وطاب، وإن شاء الله تكون عيون الأمهات والآباء على أبنائهم في مأكلهم ومشربهم، لبناء أجيال سليمة الفكر وصحيحة الجسم، قادرة على مواجهة الأمراض من خلال تحفيز المقاومة الطبيعية (الجهاز المناعي)، وتكون زيارتنا للطبيب فقط من أجل سماع توجيهاته وتوصياته.
وأخيرًا؛ لا أريد قول تلك العبارة الصعبة، إن مما يحز في النفس ويؤلمها إغفال كثير من الأمهات تغذية أطفالهن التغذية السليمة، بحجة انشغالهن معظم الوقت خارج المنزل.
وأنا أتساءل لماذا تعطى كل تلك الحجج والمبررات؟؟
الأمهات لاهثات وراء سراب من الهموم التافهة، يرتكبن جرائم بحق أحبائنا وفلذات أكبادنا.
ألسنا في حاجة إلى أجيال أصحاء!!
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات