يعلم معظم الناس أن تناول المشروبات الغازية من المسببات لكثير من الأمراض، وأنها تعتبر ديناميت غذائي في قمة الهرم.
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن:
لماذا يقبل الناس على تناول مثل تلك المشروبات رغم معرفتهم بأضرارها الصحية؟
استمعنا من الناس وحملنا الكثير من آرائهم، وإجمالاً هم يؤكدون خلاف قناعاتنا، فهم اعتادوا على تناولها، وهناك من قال: لا يهمني أضرارها ولن أتوقف عن شربها، وآخرون قالوا: نعم إن التخفيف من تناولها محاولة للتصحيح، بينما الأصعب من هذا وذاك من قال: أميل إلى شربها عند الإحساس بالعطش، وأفضلها على الماء، لأنها منعشة وتزيل العطش وتشعرنا بالارتواء صيفًا.
ورغم هذا التباين الذي يعرضه واقعنا، إلا أن هذا يعطي انطباعاً عاماً بالقبول بها، ولا يوجد في قاموس الصحة دليل يوقف تناولها، ورغم ارتفاع سعرها، فقد ازداد الطلب عليها من هؤلاء غير العابئين بأخطارها.
هناك فئة من الناس قادرون على تطويع شهواتهم ورغباتهم ضمن ما ينفعهم،ث استطاعوا تجنّبها، وتخلصوا من أضرارها.
وتعتبر المشروبات الغازية من أكثر الأصناف استهلاكاً، فقد اعتاد الكثير من الناس وضعها على المائدة، أو إدراجها ضمن بعض الوجبات الدسمة، أو عند الإفراط في الطعام، ظناً منهم أنها تساعد في تسهيل الهضم والتخلص من الغازات والانتفاخ عند التجشؤ.
بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك، فتلك المشروبات تفقد المعدة حوامضها وتحوّلها إلى أملاح؛ وبهذا تفقد المعدة عنصرها الفعال، مما يسبب عرقلة عملية الهضم ، فيشعر عندها الشخص بانتفاخ في المعدة وثقل في البطن عقب كل وجبة. فهي بذلك تسبب عسرًا في الهضم.
عادات غذائية سيئة، أغذية خاوية تملأ المعدة، ولا يمكن أن تلبي أياً من الاحتياجات التي يتطلبها الجسم.
نعم اعتدنا أن نتناولها، ونحرص على تواجدها، ونسمع ونقرأ عن تأثيراتها السلبية..
ومعها تزيد حيرتنا وتساؤلنا:
هل تمثل المشروبات الغازية خطراً حقيقياً على الصحة العامة؟
الرأي الصحيح هو ما أعلنته منظمة الصحة العالمية (WHO) حينما أطلقت شرارة الحرب على المشروبات الغازية عبر تقريرها في (21 أكتوبر 1998م)، فبدأت من مهبط صناعة الكولا، والسبب يبدو تراكمياً، فمئات البحوث والدراسات أثبتت أن المشروبات الغازية تلعب دوراً رئيساً في هشاشة العظام ونقص الأملاح الضرورية والسمنة وتسوس الأسنان وداء السكر وضغط الدم..
إضافة إلى كونها البديل الضار عن الماء والمشروبات المغذية التي لا تجد طريقاً لها لكثير من الناس، في ظل الدعاية والتسويق وكل ما تفعله الشركات المصنّعة والموزّعة.
فلو نظرنا لمكونات علبة مشروب غازي نجد أنها تتكون من مجموعة مواد كيميائية مصنعة عبارة عن:
ماء مشبع بثاني أكسيد الكربون، وسكر، وحمض ستريك، وحمض فوسفوريك، وكافيين، نكهات وألوان اصطناعية.
فالماء المكربن يعيق حصول الجسم على الأكسجين اللازم له، بسبب ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الدم.
بينما السكر المضاف في الغالب السكروز أو سكر الفاكهة، (سكريات حرة)، والأكثر استخداماً “شراب الذرة عالي الفركتوز” (HFCC) الذي يحضّر صناعياً ويضاف للمشروبات الغازية.
وتستخدم المحليات الاصطناعية عند الإشارة لعبارة (0% سكر) وتعني تحلية دون سعرات حرارية؛ فالسكريات الحرة والمحليات الاصطناعية كلها خطرة على الصحة.
حمضا الفوسفوريك والستريك يعملان على تقليل امتصاص المعادن المهمة كالحديد والكالسيوم، كما أن التشريعات الدولية والمواصفات الخليجية (GSO 18/ 2006) تمنع إضافة حمض الفوسفوريك لكافة المواد الغذائية، ويستثنى من ذلك المشروبات الغازية المحتوية على مستخلصات الكولا أو الزنجبيل.
مادة الكافيين التي تتواجد في المشروبات الغازية هي مادة منبهة للجهاز العصبي والدوري وتجعل الجسم يتعود عليها، وتعيق امتصاص الحديد الذي يدخل في تركيب خلايا الدم الحمراء.
النكهات والألوان هي إضافات اصطناعية ضارة بالصحة.
توصّلت دراسات وأبحاث متعددة أجراها مكتب كاليفورنيا لتقييم مخاطر الصحة البيئية عام 2013م، إلى وجود مادة (4-Mel) المستخدمة في تلوين المشروبات الغازية بلون الكراميل مثل الكولا والبيبسي، وهي مادة مسرطنة، وتم تقييد كميتها في العبوة إلى 29 ميكروجرامًا، على اعتبار أننا نستهلك عبوة واحدة في اليوم، بينما التقرير يوضّح أن منتجات مثل الكولا والبيبسي تحتوي العبوة الواحدة منها على أضعاف الكمية المسموح بها، وأن تناول علبة واحدة يومياً يكفي لتعريض الإنسان للمرض، علماً بأن الكثير من الناس يستهلكون أكثر من علبة في اليوم، وهنا مكمن الخطر.
إدارة الغذاء والدواء بتايوان( FDA) قامت باكتشاف مادة هلامية تحتوي على المركب (DEHP) في المشروبات الغازية المنتجة في تايوان، والتي تعتبر من المواد الملوثة والضارة بالصحة.
هناك دراسة نشرت في صحيفة جمعية القلب الأمريكية (A.H.A)، تحذّر من المشروبات الغازية المحلاة صناعياً لأنها تزيد من خطر الإصابة بالخرف والسكتة الدماغية.
صدر قرار قبل سنوات بحظر استيراد المشروبات الغازية من دول الاتحاد الأوروبي خشية تلوثها بهرمونات اصطناعية ضارة بالصحة.
سحبت الحكومة البريطانية أكثر من مليوني عبوة من المشروبات الغازية من أسواقها بسبب تلوثها ببقايا مادة البنزين التي تدخل في عملية تصنيع غاز ثاني أكسيد الكربون لإنتاج المياه المكربنة، ومادة البنزين من المواد المسرطنة.
الواقع الذي دفعني للتحدث عن أضرار تناول المشروبات الغازية ليس تلك المسببات، بل هناك شيء أهم، وهو أنه حديث ذو شجون، يمس حبنا للحياة وخوفنا من المرض.
معاناة الكثير من مرضى فقر الدم الوراثي (الأنيميا المنجلية) نتيجة تناولهم المشروبات الغازية.
المرض الذي انتشر في منطقتنا وسبب لنا أحزانًا، وآلامًا، وخسائر في الأرواح، وفقدنا بسببه الإحساس بالحياة.
شكّلَ المرضى عبئاً مستمراً على أسرهم، فزادت همومهم ومعاناتهم، وأضعفهم وسلب راحتهم، وهم يشاهدون فلذّات أكبادهم يصرخون ويستغيثون من الآلام الشديدة، والنوبات الحادة، وهم بحاجة للمساعدة والرعاية الصحية من أجل تخفيف أوجاعهم.
تظهر أعراض النوبات الحادة عند نقصان الأكسجين في خلايا الدم الحمراء، فيشعر المريض بصعوبة في التنفس، وسرعة الإجهاد، وشحوب مصحوب بآلام شديدة في البطن والعظام والمفاصل.
والمشروبات الغازية تعمل في هذا الاتجاه؛ نقص الأكسجين وزيادة ثاني أكسيد الكربون في خلايا الدم، في الوقت الذي يكون فيه الجسم بأمسّ الحاجة إلى كميات أكبر من الأكسجين للقيام بدوره الحيوي، فتتحول كريات الدم الحمراء إلى الشكل المنجلي، تعمل على سد مجرى الدم، فينقطع إمداد الجسم للأكسجين نهائيًا.
فماذا نتوقع أن يحدث؟
شباب قضوا أعمارهم، وتوقفت آمالهم، ودفنت كفاءاتهم، وعلقت نظرتهم للحياة..
ساحة الحياة مليئة بالأحداث
شعرت بالحزن وأنا استرجع ذكرياتي المؤلمة لأحد الأخوة من زملاء العمل، والذي كان يعاني من هذا المرض؛ غيابه المتكرر عن العمل وبقائه في المستشفى عدة أيام، كان لازماً علىّ متابعة حالته الصحية، واطلعت على سلوكياته، باتت الصورة واضحة، التغذية سيئة، من المطاعم والبوفيهات، المشروب الغازي يرافق وجبته الغذائية، حاولت أن أصحح سلوكه الغذائي، واستمريت على ذلك فترة طويلة، ولكن لم أنجح فالوضع الفعلي لا يوحي بالتغيير، وعندها أخبرته أن المرض سيستمر معه، وستزيد معاناته، وكانت حالته تزداد سوءاً، هو يتجه نحو نهاية مؤلمة، ليس تنبؤًا بل هو واقع يدفعه لمصير محتوم، وفعلاً خبر وفاته لم يكن مفاجئاً، وبالفعل كانت صدمة كبيرة لأهله ومحبيه وزملائه – رحمه الله.
أظن أننا الآن عرفنا تماماً حقيقة ما تفعله بنا تلك المشروبات، فقد أحدثت الكثير من التراكمات السلبية والمضاعفات الشديدة، والأخطار المحدقة، والتأثير على مناعة الجسد والقضاء عليه.
نستنتج من أن المشروبات الغازية غير آمنة، وكشفنا علاقتها بالكثير من الأمراض المستعصية فهي معول هدم للكبد والكلى والقلب والعظام..
المواد التي تصنع منها المشروبات الغازية هي مركبات كيميائية مصنعة، متخمة بالمواد الضارة، عاثت تخريباً في أجسامنا، وأصبحت حقل تجارب ومصدر أرباح للشركات الفاسدة.
حسبنا بعد هذا الواقع المأساوي أن نضع أنفسنا في اتجاه العقل والمنطق فلا نحتاج لكثير من التفكير والتأمل لندرك أن التخلص من الأمراض أو تخفيف المعاناة هو هدف حيوي.. فهو إذن ممكن.
نحن بحاجة إلى ثقافة صحية واعية آمنة تبعدنا عن الآلام والأسقام، وتعيد النظر لبعض سلوكياتنا!
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات