اعتدت عليها!

ورد عن أمير المؤمنين (ع): “وخالف سوء عادتك” (غرر الحكم: 242).

إذا كنت ممارسًا لسلوك وتصرف خاطئ حتى اعتدت عليه ولا تطيق فراقه، فكنت تتلصص وتسترق السمع لأحاديث الآخرين، أو تمارس النميمة ونقل الكلمات المسيئة من طرف إلى آخر، وإذا كنت سريع الانفعال والتأثر من أي إساءة من أحد فتورثك الحقد عليه، وإذا مارست السخرية والاستهزاء بالآخرين في كلامهم ولباسهم وطريقة معيشتهم، وإذا كنت سريع الغضب فتلجأ للشتيمة والصراخ في وجه من أمامك، وغيرها من العادات التي ترسخت في نفسك فاعتدت على فعلها بكل سهولة، فكيف يمكنك التخلص من تلك العادة حتى تزول نهائيًا؟

يحذّر أمير المؤمنين (ع) من حجر عثرة في طريق النجاح والتقدم وتحقيق الأهداف المرسومة، ويعطي ذاك السلوك الخاطئ مؤشرًا لضعف الشخصية والإرادة الواهنة غير القادرة على تجاوز النقاط السلبية، مع ملاحظة أمر مهم وهو تمكن السلوك الخاطئ في النفس مع تكراره والوصول إلى حالة الإدمان وصعوبة التخلص منها لضعف إرادته حينئذ.

العادات السيئة سلوكيات غير صحيحة وغير مقبولة بالمعيار الأخلاقي والاجتماعي والنفسي، ويجد الإنسان في فعلها راحة وتخفيفًا من الضغوط والإحساس بالوحدة والعزلة النفسية أو الحقيقية، إن فعلها شعر بالتحسن في صحته ومزاجه وتبدو عليه مشاعر الارتياح وتنفرج أساريره ويقبل على الناس مبتسمًا.

الشتم – على سبيل المثال – سلوك خاطئ ولكن تكراره والاعتياد على إتيانه والتفوّه به يغدو عادة سيئة اكتسبها، والعبثية في تضييع الأوقات بالتنقل بين وسائل التواصل دون هدف معين، أو تبادل الأحاديث المطولة مشافهة أو عبر الهاتف دون جدوى من الأكثر منها، وتجاهل الآخرين والحوار المتفجر والصراخ والتهور والأنانية وغيرها من السلوكيات ينجر المرء مع تكرارها واعتيادها تغدو عادات سيئة.

السعي نحو الحصول على معالم الشخصية الناجحة والقوية يفرض على المرء مراجعة تصرفاته وتفقد تلك العادات التي سكنت وجدانه، ويفكر في السبل المعينة له في التخلص من ربقة العبودية لها، وإلا فإن الاستمرار على تلك الحالة وعدم التطرق للتخلص منها ما بينه وبين نفسه سيقوده نحو تدهور وانكماش لدور التحكم والسيطرة على نفسه، ولذا عليه – إن أراد تنقية نفسه من سموم العادات السيئة – اتخاذ قرار بالتخلص منها، وبلا شك أن البداية لا تبدو سهلة ولكن العبرة بنهاية المطاف والتي يبدو معها شخصا استعاد إرادته وضبط تصرفاته وفق العقل الواعي، ولعله يلجأ إلى التدريج وليس الانقطاع دفعة واحدة عن تلك العادة، ولكنه مع مرور الأيام يشعر بالتحسن والأفضلية عن المرحلة السابقة.

وهل هناك عوامل مساندة تخلّص الإنسان من عادة التصقت به واعتاد عليها منذ فترة ليست بالقصيرة؟
العامل الأول هو الاعتراف بوجود المشكلة وترك المناورة وطرح التبريرات الواهية لوجودها، فلن ينطلق في ميدان مكافحتها وهو لا يراها بصمة سيئة وعلامة لا تليق به، فالقناعة بجماليته إن تركها هي بداية الطريق للتخلص منها تدريجيًا وزوالها نهائيًا.

والبحث عن العوامل المؤدية إلى تلهفه لفعل تلك العادة سيثمر تصورًا واضحًا لطريق المعالجة، وذلك إن تجنب كل سبيل يسهل ممارسته لتك العادة سيضيق الخناق شيئًا فشيء حتى يصل إلى مرحلة الترك، وهذا يعتمد على فكره الواعي بالأسباب وإرادته القوية في مواجهة الرغبة والتلهف لفعلها.

ولمكافأة النفس إن بلغت الهدف المرسوم دور في إثارة كوامن قدراته وتحفيزها في ميدان مكافحتها، ففي كل موقف تسول له نفسه بمزاولتها، ومع تكرار هذا التعزيز يبدأ في رحلة السهولة والمغادرة تمامًا لفعلها، والبعض لا يولي أهمية كبرى للمحفزات والهدايا لنفسه مما يهواها، ولكن الوقوف أمام مرآة النفس ومخاطبتها بلغة المنافسة يدفعها بقوة نحو ميدان العمل المثابر متحلية بالإصرار والصبر.

والحلول البديلة تعزز التخلص من أي عادة إذ يحل مكانها ممارسة إحدى الهوايات التي تساعده على قضاء وقت ممتع، فوقت الفراغ المطول يعد أرضًا خصبة ومرتعا لممارسة ما لا فائدة منه أو ممارسة العادات الخاطئة.

ومن العوامل المساندة للتخلص من العادات السيئة الرجوع لأهل الاختصاص في علوم الأخلاق والنفس والاجتماع، وذلك لتقديم الوصفات والحلول المساعدة لك، فالتخلص من العادة السيئة يحتاج إلى تظافر جهودك وإرادتك وتفعيل استشاراتك.


error: المحتوي محمي