نظرت إلى الناس فرأيتهم على أنواع بسبب النشأة الأولى، والتربية والتوجيه الذين تلقوها؛ ووجدت أن لكل فرد شخصيته المتميزة، ونظرته الخاصة إلى الحياة.
ولكنني رأيت الناس كلهم متفقين على أمر واحد، فكل شخص في هذه الدنيا معجب برجاحة عقله، وأسلوبه الممتاز في مواجهة المشكلات، وكلهم يرى أن نظرته للحياة صحيحة منطقية، بل هي دقيقة كل الدقة، ومن ثم كل منا يتوقع من الآخرين أن يروا الأمور كما يراها، وأن يسلكوا السلوك الذي يشير إليه، ويتبعوا الحل الذي نطق به. فقلت لنفسي: إن ما قالته الأمثال قديماً حق: “لمّا وزّع الله العقول فرح كل إنسان بعقله وشكر المولى عليه”!
يمكن أن يُكوّن الشخص علاقات اجتماعية ويزيد من عدد أصدقائه ومعارفه من خلال محاولة التواصل مع الغرباء من الأشخاص الذين لا يعرفهم بأي شكل من الأشكال، ويمكن أن يقوم بهذا عن طريق فتح مجال للحديث والحوار مع الناس عند التقائه بهم في الأماكن العامة، لعله يستمتع برفقة أحدهم ويصبح صديقاً له فيما بعد، لكن للأسف فبعض الأفراد وإن وجدت أنهم عدد كبير وأخذ في التزايد وهو بعدما يوقف للتواصل مع الآخرين ويعقد معهم صداقة أو زمالة تبدأ وكالة يقولون في الانتشار وتوسع دائرتها؟!
هناك ظاهرة وهي من أهم الظواهر السلبية التي نجدها في بعض النفوس المريضة وقد تؤثر على أصحاب الشخصيات الضعيفة وهي نقل الكلام غير الصحيح الصادر من مصدر كاذب، بهدف تخريب العلاقات بين هذا وذاك دون مراعاة التربية الإسلامية التي يجب علينا كمسلمين أن نتحلى بأخلاق هذا الإسلام وما وصّى به رسولنا الكريم من حسن الأخلاق مع الناس. وللأسف فإننا نجد هذه الظاهرة موجودة في أماكن العمل بشكل أكثر، مثل نفاق المسؤولين والكذب عليهم ونقل الكلام غير الصحيح لهم عن الزملاء وتشويه سمعة الآخرين بهدف التقرب لهذا المسؤول أو لغرض الترقية أو مصالح أخرى. لا يجب عليك أخي الكريم المسلم أن تشحن القلوب على بعضها البعض والعمل على التفرقة بسبب مصلحة معينة تريد أن تنالها فإذا كنت تعاني من مرض نفسي تتعرض له فحاول أن تعرض نفسك على الاختصاصيين في الأمراض النفسية وصدقني سوف تتجاوب مع العلاج.
تناقل الكلام بين الناس وتهويله متعة لدى الكثيرين…
فكم من كلمةٍ سيِّئة أو خاطئة أحدثَتْ بين قبيلةٍ أو جماعةٍ مُتَآلِفة أعظمَ ممَّا تُحدثه النار في الحطب اليابس في الرِّياح الشَّديدة، فينبغي للعبد ألاَّ يُطلِق العنان للسانه، ولا ينقل الكلام بمجرَّد سماعه، وعلى مَن بلغه فيه كلام من أحدٍ ورأى من المصلحة أنْ يتفاهَم مع ذلك الشخص المنقول عنه الكلام فليفعل، فلربَّما كان ذلك سببًا في إزالة الوحشة، وتصحيح الأخطاء، والإبقاء على المودَّة، والتعاون والتلاحم، كما أرشدنا لذلك دِينُنا الحنيف حتى تندحر وكالة يقولون مفرّقة الجماعات التي أصبحت دائرتها واسعة في مجال العمل بصورة كبيرة جداً خاصة في المدارس والمستشفيات رغم أن هذين المكانين هما أهم الأمكنة لإشاعة المحبة والاحترام والترابط..
ماذا تقول للإنسان الذي يشعل نار الفتنة بين الناس كي يرضي مصالحه الشخصية والأنانية؟
أنا سأقول له: أتقى الله ليجعل لك مخرجًا وأقرأ التالي لعلك تتعظ؛ سبب رئيس من أسباب استفحال أزمتنا السياسيّة، وأزماتنا الاجتماعيّة، السعي بالفتنة بين الناس التي حذرنا منها رب العالمين في كتابه العزيز حيث قال: “الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ”. وقال: “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتل”، وقد يستغرب المرء أن تكون الفتنة التي قد تكون بكلمة لا يلقي المرء لها بالًا أشد أو أكبر من القتل، ولكن بقليل من التدبر يتبين أن المراد على سبيل الحقيقة باعتبار الأثر المترتب على الفتنة، فالقتل يقع على شخص أو أشخاص محصورين وإن كثر عددهم، بخلاف الفتنة فإن أثرها قد يمتد إلى أناس لا علاقة لهم أصلاً بالموضوع، وقد يتدحرج حتى يتجاوز حدود الزمان والمكان، فيتخطى حدود دولته الجغرافية، وتتوارثه الأجيال، وقد صدق رسولنا الكريم في كل ما قال ومنه: “إنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة – مِنْ رضوان الله – لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة – من سَخَط الله – لا يُلْقِي لها بالاً، يهوى بها في جهنم” هذا قولي فما قولك أنت؟!
لقد حرم الله (عز وجل) الغيبة في كتابه وعلى لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال سبحانه: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}…
[الحجرات:12].
فشبّه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً، ومر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه أحمد.
وتفسير الغيبة جاء في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
وقد حذّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منها أعظم تحذير فقال عندما مر على قبرين: “إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة”. متفق عليه.
يجب علينا كمسلمين أن نتعلم سلوكيات الإسلام الصحيح وأخلاقيات هذا الإسلام العظيم والدين الحنيف، نعم أنت مسلم ولكن هل تطبق ما جاء في القرآن والسنة النبوية؟
ثانياً يا أصحاب الشخصيات الضعيفة يجب عليكم أن تتعلموا كيف تتعاملون مع هؤلاء وتقوية أنفسكم وعدم الانجرار وراءهم وعدم تصديقهم والأخذ بكلامهم، ومن ثم إصدار الحكم على الآخرين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}… فينبغي للعبد أنْ يحرص على سَلامة قلبه، والإنصاف من نفسه، ويتحمَّل ما يستطيع تحمُّله في سبيل المصلحة حتى يحصل التقارُب والتآلُف.
فنصيحتي:
لا تكن عود ثقاب يشعل فتيل الفتنة، فإن أشعلها غيرك فعليك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بأضعف الإيمان بالدعاء، واترك كل من ينتسب إلى وكالة يقولون مفرقي الجماعات والفتنة أشد من القتل، ومن يحاول إشعالها فهو مُجرم بحق الإنسانية، وما من فتنة إلا كانت هلاكًا على الأمة جمعًا.