حينما تكون مقابرنا منطلقًا لمنابرنا

بمناسبة انطلاقة فعاليات بر الوالدين؛ “رضاهما جنة”

22 مارس 2019م.
————-
إنه لحدث لو تعلمون عظيم، أن تكون مؤسسة مجتمعية كالمقبرة مقرًا لانطلاقة حدث كبير وعظيم لبر الوالدين، لتحيي النفوس وتوطد العلاقة بين الأحياء والأموات بحدث يهز الوجدان والمشاعر، ويبعث الحياة من جديد ، وبمشهد تتعانق فيه أرواح الأموات بأنفاس الأحياء الذين جاءوا وأكف الدعاء تتهادى بينهم، وسبحات الاستغفار تتهامس في شفائهم؛ كباراً وصغاراً، نساءً ورجالًا.

إنه يوم “بر الوالدين” العزيزين سواء حيين أو ميتين، نعم، هو توفيق من الله أن تصبح المقبرة هي مقر انطلاقة لفعاليات بر الوالدين، فهو مكان يستلهم منه الحاضرون الموعظة وهم على شفا تلك القبور الدارسة التي تذكر بالآخرة، وتلهمنا العبرة، وتوثّق علاقتنا مع من (رضاهما جنة)، ولتصبح المقبرة في هذا اليوم الافتتاحي منبرًا للخير يؤنس النفوس بذكر الله وأنفاس الداعين والتالين للقرآن والدعاء، ضمن زخم جماهيري ممتلئ بمشاعر المحبة والرحمة والخشوع يتذاكرون بينهم قصصًا وعبرًا عن البر والإحسان بالوالدين ورضاهما، حيين كانا أم ميتين، وينظر كل منا إلى الآخر بعينين متوثبتين إلى الهمة في زيادة العمل الصالح في الإحسان إليهما، والتفنن في تحصيل رضاهما:
{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}..

إنه بحمد الله لأمر موفق لنا جميعاً أن نستغل هذا الحدث في مثل هذه التجمعات الرائعة وأن نعيش سويعات قليلة نتبادل فيها مشاعر التسامح والتواصي بالوالدين إحسانًا، ونستشعر تقصيراتنا ونحاسب أنفسنا تجاه والدينا، ونؤكد على صغارنا الحاضرين – أولاد وبنات – أننا في مجتمع تحوطه الرحمة بهذا التواصي المحمود، بالمرحمة والشفقة والبر والإحسان للآباء والأمهات..

وبما أن مقبرة سيهات جزء من هذا الحدث الكبير مع مثيلاتها من مدن وقرى القطيف، فإنه من دواعي الفخر أيضاً لو تناقلت المناسبة واستغلتها باقي مؤسساتنا الاجتماعية ومجالسنا الدينية وغيرها، وتستفيد من فرصة المساحة المفتوحة للاستفادة في تعزيز مفاهيم الخير التي تدعو إليها هذه المناسبة “رضاهما جنة”، ولتتفنن في أسلوب طرحها وبرامجها، فالحدث ممتد، وما هذا اليوم إلا افتتاحية جعلته اللجنة المنظمة نقطة انطلاق من جميع المقابر في محافظة القطيف من أجل التماء بركة المكان كمقر يحوي رفاة الآباء والأجداد والأحباب، وتلاوة سورة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة، ويفتتح بها مشوار الأفكار الخلاقة التي تؤنس وتعطي المزيد من الزخم والانتشار لمفاهيم الحملة الرائعة “رضاهما جنة”..
فهيا بنا أيها الأحبة، نرسم ملامح جديدة مع هذا الموسم الجميل والكرنفال الرائع لنحقق أهدافه الرائعة في حياتنا، لتجتمع الأسر وتكرم والديها الكبيرين، ولتفتح المساجد أبوابها لبرامج تربوية وأخرى عبادية تؤصل السلوك الحسن مع الوالدين، ولتنشر وسائل إعلامنا رسائل خير لبر الوالدين، ولينتج مصورونا برامج وأناشيد ومشاهد تحقق الهدف، ولتنظم الأندية والجمعيات فعاليات ومسابقات تساعد في جعل الحدث كبيرًا وعظيمًا في النفوس، ولتقوم المدارس ورياض الأطفال بأنشطة وحصص تربوية وأخرى فنية رائعة تؤكد تلك المعاني الجميلة، ولينهض الجميع ليكمل باقي التلاوة وتسطير الآيات {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا}..

وقبل الختام أوجّه شكري وبالغ تقديري وثنائي واحترامي ومحبتي للجنة المنظمة الرئيسية برئاسة الأخ العزيز عبدالأمير السني، وإلى فروع اللجنة العليا وقياداتها في مدن وقرى القطيف قاطبة على هذا التلقف الرائع لتفعيل المناسبة بشتى صورها، والذي ينم عن وعي بمجريات الأمور الاجتماعية التي تحتاج منا جميعًا إلى التكاتف واستغلال كل فرصة لتفعيل دور الشباب والمثقفين ورجال الدين والمعلمين والكوادر التطوعية والطاقات الفنية وغيرهم من أجل أن نعمل جميعًا للحفاظ على سلامة وتحصين المجتمع من كل آفة تعادينا من الشرق والغرب وتريد بمجتمعنا وأمتنا التي أعزها الله بالإسلام الانسلاخ عن قيمها ومبادئها، أو التعدي على حدود الله وحرماته، فعلاً إنه العقل الحكيم الموفق من الله، وعلينا جميعاً ألا نضيع الفرصة في انتقاداتنا المثبطة التي لن تغني من الحق شيئاً، ولنطور عمل تلك اللجان الرائعة المنفتحة على كل نقد بناءَ يزيد المناسبة تألقاً وجمالاً.

وختاماً، أشكر لجنة سيهات العزيزة ممثلة بأخي الأكبر منصور الرميح وفريق العمل المساعد معه على التمسك بهذا الحدث والانطلاق به كل عام في مدينتنا سيهات الغالية، وفتحهم الباب لباقي القوى الفاعلة في مجتمعنا لأن يقدموا أطروحاتهم وبرامجهم للمشاركة في تفعيل المناسبة من أجل التكامل والوصول جميعًا لنفس الهدف “بر الوالدين” وإنه لهدف لو تعلمون عظيم..

{رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}…
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين..


error: المحتوي محمي