من المعلوم أنّ مفهوم التعليم لا يمكن أن ينفصل -في أي بعد من أبعاده- عن مفهوم التربية. وفي بلداننا العربية – مثلًا – تتباين مسميات الجهات الإدارية التي تقوم بإدارة العملية التعليمية، كما في بعض الحالات، أو قد تتشارك ذات التسمية في بعض أجزائها حالات أخرى؛ فتارةً نجد في أحد البلدان مسمى وزارة التعليم كما في السعودية، وفي بلد ثانٍ مسمى وزارة التربية والتعليم كما في بعض دول مجلس التعاون، بينما يظهر مسمى وزارة التربية الوطنية في الجزائر والمغرب، أما في موريتانيا فهناك وزارة التهذيب الوطني، وفي تونس نجد وزارة التربية. إذ إنّ جميع هذه الجهات هي المسؤولة عن التعليم العام أو ما يعرف بالتعليم الأساسي، والحال نفسه في بعض البلدان المتقدمة في العالم، مثل أمريكا وبريطانيا، مع ما يتوفر في لفظ Education في تسمياتهم، كمفردة تعني التعليم وفي الوقت ذاته تعني التربية، حين تتوارد المسميات على معاجم التعريب أو الترجمة.
والواضح أنّ هناك إدراكًا باصرًا بالتسمية القصدية التي يندمج فيها التعليم جنبًا إلى جنب التربية، لكنّ مجهر الحديث يركز على مدى قدرة بلداننا العربية في المزاوجة بين مفهومي التعليم والتربية كقضية تتطلب إعدادًا منهجيًا يستطيع أن يحفز النشء على التفاعل مع البرنامج التعليمي بجميع أهدافه، وفي الاتجاه نفسه ينطلق الفعل التربوي كحقيقة ذات ظهور إنمائي للمهارة السلوكية، إلى أن تتجلى شخصية الطالب، بسماتها المعرفية والتربوية، كمعالم غذتها البيئة التي تقدم المنهج التعليمي وتهتم إلى أقصى الإمكانيات بالمنهج التربوي الذي يستفرغ جهد المتعلم في اكتساب هذه الميزات التي تستشرف أولى عتبات النجاح والتميز المستقبلي في كل متعلم.
في الولايات المتحدة الأمريكية، وجدت المعلمة التي تعلم أحد أطفالي، تضع استراتيجية تربوية أعجبتني، وخلاصتها أن المعلمة منذ بداية الفصل الدراسي خصصت ما يعادل 100 في المائة كدرجة سلوكية للفصل، تتناقص درجاتها كلّما ارتكب أحد طلاب الفصل سلوكًا ذا محتوى سلبي، وهذا -بطبيعة الاستراتيجية- يؤثر على درجة جميع الطلاب، بالرغم من أن صاحب السلوك السلبي هو واحد، ولكن لأن هدف المعلمة هو أن يحرص كل طالب على إضفاء روح المسؤولية الجماعية، لا أن يتخذ النزعة الفردية الأنانية مسلكًا، كما يستشعر الجميع ذلك كقيمة تربوية.
هذا الأمر جعلني أستحضر مثال قصة السفينة، ذات الهدف التربوي، كما ورد في حديث المصطفى، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعًا».
ليالي الفرج
كاتبة رأي- صحيفة الرأي السعودي