السجل الذهبي

الإطلالة على الماضي وتصنيف موقعية الفرد في سجل الحضارة الإنسانية القائمة على احترام أو تجاهل مقوماته المتمثلة بعقله وضميره، تضعنا على سكة المعرفة لما ينبغي أن نبدأ به ونعمل من أجله في سبيل وضع بصمة جميلة، وحجز مكان يليق بما حبانا به الباري (عز وجل) من قدرات وطاقات علينا معرفتها وتحفيزها واستثمارها، فمؤشر الوجودية الحقيقية يتأرجح ما بين التجاهل للوجه المشرق والعنوان الأسمى للإنسان وما يحقق كرامته، أو التسلح بالمعرفة والعلوم المختلفة المنمية للإدراكات العقلية وجعلها محورًا لخطواته ومنطق لسانه، وما بينهما منطقة وسطى يتأرجح فيها المغيبون والمجاهيل ممن ارتضوا العيش الهامشي والاكتفاء بالوجود بالحد الأدنى المتمثل بمسار التعلم والعمل بما يؤمّن لقمة العيش وكفى، دون أن يشغل نفسه بتحصين وتعزيز فكري وقيمي يعطيه مكانة في سلم الموقعيات العالية.

وهذا التصور لموقعية الفرد ما بين اعتلاء القمم الشامخة والانحدار الفكري والأخلاقي وإتقان الدور الهامشي هو أولى مفردات التربية والتعليم، فمما يعزز ثقة الإنسان بنفسه – والتي تشكل عماد القوة في شخصيته – هو معرفة ما هو معد له ومنتظر منه من دور يليق بإنسانيته العالية الكريمة، وأمامه درب طويل يشقه بقوة التعلم والمنظومة القيمية الأخلاقية المكونة لهويته وعلاقاته، ففهم حقيقة الحياة والاختبارات العاصفة التي يصادفها في كل يوم والتحديات التي يواجهها كبالونات اختبار وتمحيص وتأسيس لشخصيته تعتمد وبشكل أساسي على مضمون ما يحمله من قيم ومعارف، فمن وقعوا تحت وطأة اليأس أو انضموا لقائمة الانزلاق نحو الفوضى والانتهازية وتشريعات الغاب، بتحليل بسيط إما حملوا أفكارًا جانبت الصواب أو لم تكتس نفوسهم بالهمة العالية فاختاروا الطرق القصيرة للأمان وحجز الأماكن الاجتماعية المتقدمة بالطرق الالتفافية الملتوية، والمصداقية وتجنب التلون والانتهازية لا يمكن مواجهتها إلا بتنمية الوازع الذاتي والتحصين الفكري والاهتمام بتنمية القيم في النفوس وإعلاء قيمتها، وإلا فإن الفرد سيكون ورقة أو ساقًا ضعيفة في مهب ريح الأزمات والتحديات التي تصادفه وتدفعه نحو اختيار مسارات ملتوية.

وجعل محورية في حياة الفرد يختصر عليه الوقت والجهد ويدعه أمام صورة واضحة للدور المنوط به في الحياة وهو الإنجاز ووضع اللمسات الخاصة به في عملية التقدم والازدهار المجتمعي، فالخطوة البسيطة نواة مشروع معرفي كبير ومكتشف ومبدع ومتقن لدوره، وعلينا وضع الحواجز المانعة لسقوطه في هاوية الضياع والضعف النفسي من خلال أهداف كبيرة يراها أمامه، فتنبعث قواه نحو تنفيذها بما يتناسب مع تطلعاته ويحقق آماله، وبعيدًا عن الأحلام الوردية والخيالات السقيمة يشكّل كل يوم ورقة قوة بيده عليه استثمارها وإضافة شيء جديد يرتقي به في سلم تكوين شخصيته القوية بحق، لا بمجرد ادعاءات خاوية لها وقع الطبل الصاخب ولا أثر لها على أرض الواقع، فالقوة ليست في الموروثات ولا النزعة المادية بل هي الحضور لفكره القادر على تقديم صورة واضحة وتامة لمشاكله وما يحيط به من مظاهر، والقدرة على رسم خطوط مستقبل واعد، فكل فرد في وجوده وحضوره المعرفي والأخلاقي يمثّل زهرة تلون جمال الأرض المخصبة.

ونقاط الضعف الإنساني كالميكروبات الصغيرة التي تفتك ببدن الإنسان وقد تقضي عليه، وتطهير النفس منها والوقاية من الإصابة بالأمراض الروحية والاجتماعية والنفسية يصونه ويحافظ عليه من آثارها، وصفاء النفس محور مهم في العملية التعليمية والفكرية التي تعلي من روح التسامح والحفاظ على النسيج الاجتماعي من الكراهيات والأحقاد.


error: المحتوي محمي