في يومٍ من أيامِ الربيعِ، خرجِ أحمدُ من منزلهِ لشراءِ وردةِ البنفسجِ لوالدتهِ، فوردةُ البنفسجِ هي الوردةُ المفضلةُ لديها.
كانَ أحمدُ مبتسماً كعادتهِ ويخطو برشاقةٍ نحوَ محلِ الزهورِ، وفجأةً سَمِعَ آهاتِ قلبٍ حزينٍ ممتزجةً بصوتٍ حزينٍ يتألمُ بشدة. ففكرَ أحمدُ: منَ أين يأتي هذا الصوت؟
اقترب أحمدُ من مصدرِ الصوتِ، ولقدْ كانَ الصوتُ يصدرُ من الدلفينِ الصغيرِ الذي اصطدم بسفينةٍ كبيرةِ الحجمٍ فأوجعتْ جسدهُ الصغير، وأصابتهُ بجرحٍ في أسفلِ زعنفتهِ اليسرى، فسحبتهُ أمواجُ البحرِ الضخمةِ نحوَ البحيرةِ التي تقعُ بجوارِ منزلِ أحمد.
حملَ أحمدُ الدلفينَ إلى عيادةِ الطبيب البيطري، وهو يشعرُ بالخوفِ على هذا الكائنِ اللطيفِ الذي يراهُ سعيداً في شاشةِ التلفاز وحزيناً أمامَ عينيهِِ. أعطى الطبيبُ إبرةً مسكنةً للوجعِ لصديقنا الدلفين، ونظفَ جرحهُ بمناديلَ معقمةٍ، وضمّدهُ بالضماداتِ الطبيةِ جيداً.
وعدَ أحمدٌ الدلفينَ بالعنايةِ بهِ والمبيتِ في منزلهِ حيثُ تشاركا السريرَ الخشبي معاً. أتعلمونَ يا أصدقاء أنَ الدلفينَ تناولَ الدواءَ في موعدهِ المحددِ رغمَ سوءِ مذاقهِ، كما أنهُ تناولَ الأطعمةَ التي نصحهُ بها الطبيبُ كي يُشْفَى بسرعة.
ومرَ الوقتُ سريعاً، والتئم جرحُ الدلفينِ الصغيرِ، وبدأَ يلعبُ معَ أحمدٍ في مسبحِ منزلهم الكبير. وفي المسبحِ استعاد الدلفينُ لياقتهُ وعافيتهُ حيثُ قامَ بالعديدِ منَ التمارينِ الرياضيةِ، فالرياضةُ مفيدةٌ جداً كي نحافظَ على صحتنا وتوازنِ خطواتنا.
وفي يومٍ من أيامِ العطلةِ الأسبوعيةِ، جلسَ أحمدُ مع الدلفينِ على الأريكة الخضراءِ ليقضيا وقتاً في مشاهدةِ التلفاز؛ فشعرَ صديقنا الدلفينْ بحزنٍ شديدٍ، وهذا الحزنُ انتفلَ إلى صديقنا أحمد، أتعلمونَ لماذا يا أصدقاء؟
إن المشاعرَ السلبيةَ كالحزنِ، والمشاعرَ الإيجابيةَ كالفرحِ معديةُ كالمرضِ تماماً.
بكى الدلفينُ وكانَ دمعهُ ينزلُ من عينيهِ كالمطرِ. لقدْ شاهدَ الدلفينُ مجموعةً من الدلافينِ في التلفازِ. لقدْ كانتْ تسبحُ في مجموعاتٍ داخلَ أعماقِ البحرِ، فشعرَ الدلفينُ بشوقٍ لعائلتهِ فعبرَ عن شوقهِ بالبكاءِ. فاحتضنه أحمدُ وبكى لبكائهِ مدةً من الزمنِ. فالإحساسُ بالآخرينَ نعمةٌ عظيمةُ يا أصدقائي، وهذهِ المواساةُ من أحمدْ لطيفةٌ جداً.
قررَ أحمدُ الذهابَ معَ صديقهِ الدلفين إلى أعماقِ البحر بعدَ أخذِ الإذنِ من أمهِ وأبيهِ. ففرحَ الدلفينُ وابتسم ابتسامة عريضةً وكادَ يطيرُ من الفرحِ. وفي طريقِ الصديقينِ للبحرِ، تحدثا بحماسٍ كبيرٍ عما ينتظرهما في رحلتهم القريبةِ، فالرحلةُ إلى أعماقِ البحرِ هي مغامرةُ نادرةٌ بالنسبة لأحمدْ.
امتطى أحمدُ ظهرَ الدلفينِ كما يمتطي الفارسُ حصانهُ، وقالَ: بسمِ اللهِ، توكلتُ على اللهِ. هيا يا صديقي لندخلَ لأعماقِ البحرِ، وأتعرفَ على عائلتكَ الكبيرة.
وفي أعماقِ البحرِ، تجولَ أحمدٌ بينَ مجموعةٍ متنوعةٍ من الدلافينِ متنوعةِ الأحجامِ، فقد كانتْ هناكَ دلافينُ صغيرةُ الحجمِ وأخرى كبيرةٌ. وفي أعماقِ البحرِ سمكٌ صغيرٌ ملونٌ، طحالبُ خضراءُ، وشعبٌ مرجانيةٌ حمراء. إنَ الدلافينَ كريمةُ جداً، أتعلمونَ يا أصدقائي، ماذا أحضرتْ الدلافينُ لأحمد؟
ودعَ أحمدٌ الدلافينَ وغادرَ البحرَ وهوَ يحملُ صندوقاً مليئاً بالجواهرِ الثمينةِ، القواقعِ البحريةِ، والصدفِ الملون. لقدْ كانَ الماءُ بارداً جداً في أعماقِ البحرِ، سيذهبُ أحمدِ ويغطي نفسهُ داخلَ سريرهِ الدافئ وسيحلمُ أحلاماً سعيدةً أيضاً، تصحبون على خيرٍ يا أصدقاء.
رحيقٌ من فراشة أبريل: أحمدُ هوَ الرغبةُ في أعماقنا كي نخطو نحوَ رغباتنا، تصوراتنا وأحلامنا في الحياةِ ودونِ النظرِ للخلفِ.. أما الحوتُ فهو المقاومةُ التي تدفعنا نحوَ تلويثِ نوايانا وتلوي ذراعَ أجنحتها عن المضيِ قدماً نحوَ خياراتِ الحياةِ، كما أنها تعيدنا لألفةِ الماضي والأشخاصِ مراراً وتكراراً. أما الصندوقُ فهوَ ما نجنيهِ خلالَ رحلتنا نحوَ أعماقِ بحرِ النفسِ..