صبغة الحزن طاغية في مجتمعنا بشكلٍ واضح، وخاصة في الجانب النسائي، وهو ما سوف نتطرق له هنا، فابتداءً نقول إن السبب ربما لكوننا مجتمعًا شيعيًا يقيم أحزان أهل البيت طوال العام، وهذا ما جعل الحزن طاغيًا ليمتد أثره حتى على المناسبات الخاصة، ولا خلاف على ذلك ما دام في الحدود المعقولة، ولكن ما نراه ونسمعه ونعايشه أمرٌ مختلف تمامًا.
فقد جرت هذه العادة عند النساء حتى أصبحت عرفًا يتفنن فيه من حيث إقامة الطقوس الحزائنية وما يصحبها من تنويع في تصاريف الحزن والأسى، مع كامل الاحترام للمتوفى أو المتوفاة، ولكن هناك أحياءً أيتها النسوة الكريمات عليكن واجب رعايتهم والقيام بواجبهم، وأداء حقوقكن تجاههم وكذلك الاهتمام بأنفسكن لأنفسكن.
ما يحصل في بعض الحالات هو نوع من أنواع الجزع الممل، والذي ينغص الحياة، وما خلقت الحياة لتكون في معظمها حزنًا ونكدًا وآلامًا.
نعم، لموتانا حقوق علينا، وهي واجبة في بعضها، سواء حين كانوا أحياءً أو بعد وفاتهم، ولكن لا يكون ذلك على حساب الأولويات، فلا يمكن أن تمتد الأحزان لأكثر من المعتاد والمنطقي، وهو المقرر له في أيام العزاء، وإن زاد فعدة من أيام أخر.
وهناك أمور شرعية لا نختلف عليها وهي في مكانها، ولا نفصل، أما باقي ما اعتادت عليه النسوة فهو وصل لدرجة الغرابة، ماذا يعني أن يظل لبس السواد طاغيًا لشهر وشهرين وثلاثة وأربعة، بل يصل أحيانًا لسنة كاملة، إذا كان المتوفى من طبقة القرابة الأولى، كلٌ حسب ما يرى، وما يصاحب ذلك من حزن وكآبة وشحوب وبكاء في كل شاردة وواردة، بل حتى حد الامتناع عن الحقوق البينية الشرعية وكأن ذلك جريمة في حق المنتقل إلى رحمة ربه، وبالمناسبة هناك أيضًا من يمتنع عن ذلك من الطرفين حتى في شهر رمضان المبارك بحجة انتهاك الشهر والاستهانة به، وأنه لا يتناسب وأيامه المباركة، وكأنهم نسخوا آيات القرآن برأي وأعراف بني الإنسان.
ما ذنب الرجال حين يفقدون ما اعتادوا عليه وألفوه من زوجاتهم، وما ذنب الأطفال وحاجتهم لأمهاتهم حنانًا وعطفًا واهتمامًا، وما الذي يعود بالفائدة على المرحوم أو المرحومة من البكاء والنياحة واستمرار الحزن؟ نحن لا نمنع الدعاء وتلاوة القرآن وفعل ما يعود بالفائدة والثواب على المتوفى، فهناك كثير من الأعمال المذكورة في أماكنها ما له الأثر الإيجابي الأكيد، ولكن ليست هذه الطقوس التي تأخذ من العمر والصحة والراحة، وتمنع السعادة والاستقرار والسكينة، هل يعقل أن تمتنع النسوة عن حضور دعوات الزواج، وحتى عن دعوات أقاربهن لنفس الحجة وهي حالة الحزن على الفقيد أو الفقيدة ولفترات طويلة جدًا؟ هذا ليس عذرًا مقبولًا أبدًا.
تعوذن من الشيطان الرجيم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ورفقًا بأنفسكن، ورفقًا بموتاكن، فما هكذا تصل لهم أعمال الخير، فهناك من الطرق والأعمال ما هو أنفع وأنجع، ورفقًا بالرجاجيل الذين لهم حقوق عليكن أهم وأكثر وأوجب وأولى من الموتى، وللموتى حقوق بلا شك ولا ريب، ولا نبخسهم الحقوق والمحبة والذكر الجميل.