منذ أن عرفتك واقتربت من محياك وأنا أشم رائحة القلوب الحنونة والنفوس الرفيعة والأثير الذي يفوح عطرًا لكل من حوله ويشمه القاصي والداني لأنك كنت تمجد قيم العمل والمثابرة وغرس الشجر المثمر ولم أجدك ذابلًا رغم تعب المرض وقلة الحيلة في مواجهة تحديات الشيخوخة لكنك كنت شابًا يافعًا لا يرقص مع الرياح ولا يترنح مع النقد والناقدين بل عظيم بمواقفه وشديد برأيه وحصيف في تمحيصه ووعيه، يقبل رأي الصغير والكبير ويعطي للناشئ أكثر من اليافع لأن نظره بعيد لمستقبل قطيفه ووطنه ولم يكن ممن يضن برأي أو يبخل بنصيحة أو ينزوي عن استشارة ولقد كان ملاذنا حينما تشتد الرياح ويصعب المسير فنقترب منه دون أن نطرق بابًا فكانت مفتحة لكل من رغب في مشورة أو رأي أيًا كان منهجه أو تياره.
وكم أيها السيد من لحظات جميلة استلهمنا منك روح التحدي والوقوف بحزم لأجل حل مشكلة أو معضلة ولقد كان رأيه الأصوب وقلبه الأوسع وروحه الأشرح مع كثرة من يختلف وهيبة من يقرر وحزازة من يعترض.
أما القطيف فهي لمن احتضنها أكثر حاجة لاحتضان أفكاره وآرائه لا لأنه الأوحد ولكن لما فيه من سمت الحكمة وقوة التجربة وعظمة الشخصية ولكم خسرنا بمرضه الكثير مما كان جهبذها ومراسها وعظيمها في إنجائها من غرق أو تعب.
وقفنا ببابه ساعة عسرة وقلنا له: سيدنا الأمر صعب ونحن بحاجة إلى حل للمشكلة ولن يكون هناك من هو أقوى على جمعها وحلها وحلحلتها دونك وسألنا عن السبيل فقلنا له مجلسك العامر أكثرهم قوة في الجمع، فقال: وأنا خادم لكم فاجمعوا رأيكم ومن ترونه وأنا ساتواصل مع البعض الآخر وكان لقاءًا جمع الأجمعين بل كان الأجمل جمعًا وحكمة ورأيا وقرارًا وبه حُلت تلك المعضلة بتكاتف جهبذ آخر وكان للنجاح أبلغ نتائجه.
لم تزل سيد الرأي والحكمة والقرار ولكم نحن بحاجة إلى من يسامر واقعنا بمثل هذا الرجل العظيم وكم نستشعر الضعف دونك وكم نحتاج إلى قلوب تحمل همّ أهلها فيتسع لهم شرايينه ونبضه.
لن أعزي نفسي برحيلك لأنك لم ترحل لنحتاج إلى العزاء، ولم يقعد بك الضعف عن إبداء الرأي، ولإن غابت صفحات وجهك وبسمتك فلن تغيب عنا روحك التي تسكننا كما سكنت بقلب القطيف الجميلة.
رب الموت والحياة يحييك حياة طيبة كطيب روحك، ولنا في خلفك الرائد خير قلب يسكن معنا.
اللهم اجعل قبر سيدنا الوجيه العلم العامل روضة من رياض الجنة واحشره مع أجداده الطاهرين صلواتك عليهم أجمعين يا رب العالمين.