الحمد لله الذي جعلني صاحب قدرة ومَنحني البلوغ إلى القوة حين التوكل عليه، الحمد لله الذي جعل لي البلاء عطاء والمصائبُ بابَ الكرم، الحمد لله الذي جعلني بالعقل سيدًا وبَالحلمِ مُنقذًا.
لطالما أخطأنا في أفعالنا وتَمادينا في عِنادنا وتكبرنا عن الاعتراف بأخطائنا بل برأنا أنفسنا في ردود أفعالنا السيئة قائلين: “حاسبوا الفعل لا تُحاسبوا ردة فعله”.
حين كثر نداؤهم وعلا شجارهم، أوقفني صراعهم وحيرني كلامهم فكلاهما يبرئ ساحته وكلاهما يستندُ على صدق فرضيته.
هذا يقول هو من بدأ وذاك يقول أخطأ وكذب، يستمرون جدالًا ويَنتهكون حقوقًا، يُسْقطون الاحترام ويهينونَ الامتحان، فعلٌ عنيف يقابله ردةَ فعل أعنف.
إلى أن ينتهي بهما المطاف بأن يسخروا من بعضهم ويلكمون بالكلمات وجوههم، يُطْلقوا زَئِير غضبهم إلى أن يقعوا في أسره، يفتحوا ستر ماضيهم إلى أن يَفْضحون سيئاتهم، يَنْخرطون في سوء الكلم وبُؤس فعله.
يعتقدون أن الفوز هو استمرار والخسران هو صمت إلى أن تمتلئ قلوبهم حقدًا وظلامًا وصدءًا وحرمانًا.
وكل ذلك ربما يكون على مرمى طفلٍ صغير أو شابٍ مراهق، وأخبرني بعدها أي رسالةً لهما قد أعطيت وأي علمً قد منحت، فهل يمحي ذلك ندم أو تُصححُ رسالة عتب؟!
حينما أعود إلى المنشأ من ذلك أجده فعل وربما فعلٌ سيئ قابلته ردة فعل أسوأ، تأثر بها الصغير قبل الكبير.
إنّ غلبَ الفعل السيئ ردت فعله سحبنا معه في دوامته وأخرجنا إلى عراء سوءته وأسرنا في نوبةِ غضبه.
إذًا لابد لنا أن نواجه سلبية الفعل بإيجابية الرد حتى لا نبادل الإساءة بالإساءة وحتى لا نسقط في فخ عدونا.
لابد أن تكون ردة فعلنا هي وسيلتنا لإيقاف فعله وإغلاق فيض منابعه، وعدم نفوذ سلطته، لابد أن تكون ردة فعلنا الإيجابية أقوى من فعله السيئ، لا أن تكون ردة فعلنا السيئة أكبر من فعله السيئ، فالأولى تمنحنا النصر والأخرى تُدْخلنا في نِزَال نخسر فيه لا محال.
مخطئون من يعتقدون أن ردة الفعل ليست قوية وليست رادعة إن كانت تحمل في باطنها الحلم والحكمة.
لكل شيء فن وللفعل ولردة الفعل فن لابد أن تتقنه حروفنا وتكتبه كلماتنا، أن تقطع عنه رغبة الحوار وتسلب منه لذة الانتصار وتسقطه في بئر الفراغ هو ما يثبت قيمة فعلك ويميزُ روحك.
لا تكن أسيرًا لغَضبك فحينها لن ينفعك البكاء ولا الندم، كن سيدًا كما أرادك سيدك أن تكون، وقدم دائمًا حِلمك قبل علمك!