الإدارة بالحب

مفهوم الإدارة مفهوم مطاطي متشعب يصعب حده؛ لأنه يتغيّر تبعًا للظروف، والمجتمعات فضلًا عن الزمان، والمكان، والأشخاص.

صحيح أن هناك مسلمات إدارية لا غنى لأحد عنها؛ إلا أنها أصبحت محل نظر في الآونة الأخيرة عند بعض الإدارات المتطورة.

لا أحدَ بمعزل عن الحاجة للتعلم، وتطوير الذات، واكتساب المعلومات والمعارف الجديدة الأكثر دقة ومواءمة المستجدات.

أغلب الإدارات في العقود الخمسة المنصرمة تتّبع النظام التقليدي الجاف الخالي من المرونة إلا ما ندر.

الإداريون القدامى تقليديون تمامًا، يتحركون في مساحات ثابتة، وضمن حسابات مدروسة، واختيارات محددة لا يمكن تجاوزها بحال.

صحيح أنهم استطاعوا – إلى حد كبير – الوصول إلى أهدافهم المنشودة؛ غير أن ذلك وحده لا يشفع لهم في البقاء على نفس السبل فيما بقي من أدوار مستقبلية.

الآن أصبح الإنتاج، والأثر، والفائدة أهم بكثير من بعض الضوابط التي لا تعدو أن تكون لوحة بالية على طريق مهجور.

الإدارة المعاصرة أصبحت مختلفة جملة وتفصيلًا عن السابق؛ إلا أنها مازالت محتفظة ببعض الجواهر النفيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال. نحن نؤمن بالتغيير الإيجابي ولكنّنا في الوقت نفسه نأخذ الحسن من القديم. فالإيجابية لا علاقة لها بالتاريخ أو الحداثة.

الإدارة تحتاج لمقومات متعددة جل الناس ملم بها إلا ما ن،ر. الكفاءة، والأهلية، والثقة، وفنون التواصل، ومعالجة الأزمات، واللباقة والذوق، والحكمة، والبعد عن الذاتية، والاستبداد.

هذه المواصفات الإدارية الجميلة قد يكون استخدام بعضها متميزًا في جهة ما وخلاف ذلك في جهة أخرى، وربما يكون مناسبًا في فترة زمنية وغير مناسب في فترة أخرى، وقد يكون حسنًا مع أشخاص وقبيحًا مع آخرين.

وعليه؛ فالمرونة في الأنظمة ضرورة حتمية أحيانًا للوصول للهدف المنشود بأقصر السبل وبأعلى درجات الجودة.

فن الإدارة بالحب ربما يكون مفهومًا جديدًا على البعض؛ إلا أنه الأكثر فاعلية في الإدارات الحديثة.

البيئات الإيجابية ذات العلاقات الحسنة تكون عادة فاعلة ومتقدمة وجديرة بالثقة والتطور والاستمرار.

الموظف الذي يحسب مديره قوة مستبدّة ومتسلطة يفقد روح الإنسانية في داخله، فيموت تلقائيًا مهما حاول أن يظهر العكس. خلاف الموظف الذي يجد نفسه جزءًا رئيسًا من المنظومة البنائية ومن جسد الإدارة بشكل عام.

كل إنسان مهما بلغ من كمال واستقرار وأمان يحتاج للمشاعر المتدفقة الطاهرة ممن حوله.

وعليه؛ لو تعامل المدراء، والرؤساء، أو القادة مع من معهم على أنهم شركاء نجاح، وأوتاد مهمة وضرورية، ومنحوهم الصلاحيات والثقة، والمكانة اللائقة لاختصروا أعمالهم وأدوارهم في خطوات.

إن ابتسامة صباحية صادقة من مدير راقٍ تكفي الموظف وقودًا ليوم عمل شاق.

نحن لا ننظّر ولا نسبح في الأحلام وإنما بنينا رأينا هذا على تجربة واستقراء وتتّبع.

وتثبيتا للرؤية، وتوثيقًا للدليل نقترح على كل رب أسرة أن يجرب فن الإدارة بالحب مع زوجته وأولاده ليرى الثمار يانعة يقطفها صباح مساء، خلافًا للأسر المتفككة التي تعيش فراغًا عاطفيًا مخيفًا قد يؤدي لانحراف ثمارها فضلًا عن أصلها.

علما بأن أغلب النظريات تؤخذ بالأغلبية وأما الشواذ في التجارب فليسوا محلًا للرأي الثاقب.

البشر مهما علوا، ومهما اختلفوا، ومهما تشعبت بهم الرؤى والآمال يحملون بين جنباتهم قلوبًا وردية تحب الخير والحسن والجمال. يأسرها الإحسان ويملكها المعروف.

ورب قائل يقول: “لو طبقنا هذا المفهوم على الشريحة المهملة المتقاعسة لزدنا الطين بلة”.
ونحن نرى أن بعض هؤلاء المتقاعسين لو وجدوا لهم الأحضان الدافئة لتحولت طاقاتهم الكامنة إلى قبس من نور وفي شتى المجالات.

كل إنسان خلقه الله لأداء رسالة خاصة جديرة بالخلود. تعالى الله أن يخلق عبدًا عبثًا {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
والتقويم هنا شامل تام (لجوهر الإنسان وماهيته ومكوناته وهيئته). ولا أقدس وأصدق من تقييم السماء للإنسان.


error: المحتوي محمي