الاهتمام بالمنازل فقط لا يظهر جمال المدينة، فلو اجتهد كل سكان المدينة في تجميل منازلهم (من الخارج) فلن تكون المدينة جميلة فضلًا عن أن تكون عصرية، لأن جمال المدن يظهر عبر الاهتمام بالتخطيط الحضاري والاهتمام بالشوارع والأرصفة بأنواعها والمرافق العامة وتوزيعها وصيانتها، وكلما كانت هذه المرافق متعددة وكاشفة لعنفوان المدينة وتاريخها وثقافتها، كلما أعطى ذلك عنوانًا للمدينة وسمعة طيبة عن أهلها وساكنيها. إن التغيير في المنازل أكثر سهولة وأسرع من التغيير بالبيئة المحيطة.
هذه الخلاصة ليست للاستخدام الأكاديمي، بل فقط للبناء عليها والانطلاق منها نحو فلسفة يقوم على أساسها أداء الأجهزة الخدمية الموجودة لخدمة المدينة.
في القطيف – وقبل أن تظهر مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي فيها – كانت المنازل – رغم صغر المساحة – من أجمل المنازل على مستوى المملكة من حيث جمال الشكل الخارجي خصوصاً، لكن ذلك لم يكن ليغطي على سوء رصف وتنظيم وتخطيط الشوراع، لم يكن جمال هذه البيوت يغطي مشكلة عدم تطبيق المعايير الفنية للأرصفة التي تسمى ظلمًا أرصفة المشاة.
أما وقد استفحلت المشكلة وذهبت بجمال حتى تلك البيوت أيضًا، والتي صُرف على جمالها ومواقعها الكثير من الأموال.
لقد أصبحت هذه البيوت الآن بسبب الملاحق الأمامية والرأسية والجانبية أشبه ببيوت الأجداد القديمة، فالبيت الواحد الآن أصبح مجموعة ملاحق متلاصقة لا تعرف له وجهًا خارجيًا ولا عمقًا داخليًا، واختفت الساحات الخضراء الخارجية وأصبح جاهزًا لسكن العائلة الممتدة لأكثر من جيل، وعاد كما كانت بيوت الأجداد سابقًا والتي اندثرت أو على وشك اندثار ما تبقى منها في الأحياء التاريخية التي لم نحسن إليها سوى بالتصوير الفوتوغرافي لها.
ليس هناك ما يدعو للحصول على أحد الأمرين دون الآخر، فكلا الأمرين متاح، ولكن لنتخيل فقط الصورة البانورامية التالية: وهي أن كل البيوت في القطيف بلا استثناء هي أكواخ من جريد النخل، لكنها موجودة في أحياء منظمة وتتصل بشوارع مستقيمة ومرصوفة جيدًا طبقًا لمواصفات وزارة الشؤون البلدية ودون تلك الحفر ولا تشكو من الأمطار ومحاطة بأرصفة المشاة وتحيطها الخدمات العامة من الحدائق والمزارع ذات التراث الزراعي والبيئة الخضراء والشواطئ والأسواق المركزية بأنواعها وعناية كافية بالمواقع الأثرية الخاصة بالمنطقة. أليس هذا سببًا كافيًا لزيارة المدينة ومشاهدة هذه المدينة الجميلة فضلًا عن التمتع بالعيش فيها؟ ألا يمكننا المنافسة على تحقيق مستويات متقدمة في معايير السعادة المجتمعية ومستوى جودة الحياة فيها؟
إن النظرة الضيقة تارة، والقاصرة أحيانًا كثيرة للقطيف لم ولن تنفع تطوير هذه المدينة، بل وأي مدينة أخرى، في شيء، فهي تكاد تنظر لكل ميزة أو نقطة إيجابية فيها باعتبارها تحديًا يحتاج لمعالجة، بنفس طريقة الطبيب الذي يصف لمريضه عملية جراحية وهو في غنى عنها ولا يحتاجها.
كان هذا أحد عناصر إجابتي عن سؤال أحد الأصدقاء عن سبب تكرار المطالبة بإنشاء هيئة ملكية لتطوير منطقة القطيف.