في أثناء محاولة التوصل لحل ونتيجة مرضية لأي سوء تفاهم أو خلاف في الإطار الاجتماعي أو الأسري يقع الخطأ في كيفية المعالجة من عدة وجوه، وما نشير له هنا هو مسار تضخيم المشكلة وتوسيع دائرة الخلاف من خلال فتح ملف مشكلة سابقة أو التذكير بأوجه التقصير الأخرى غير الدخيلة في صلب الخلاف، مما يؤزّم الموقف ويحوّله إلى حلبة صراع وتوجيه اللكمات ومحاولة دفع اتهام التقصير وارتكاب الخطأ عنه، وهكذا تنبني عند الفرد روحية التعقيد والدخول في الدهاليز والالتواءات والمتاهات عند محاولة رأب الصدع ورتق الفتق وحل الخلافات.
فتحديد وجه المشكلة بإطار محدد ومحاولة الوصول إلى حلول مرضية هو إمساك بأول الخيط، فالتفاهم الإيجابي هو أساس الوصول لأرضية مشتركة من الرؤى ووجهات النظر حتى يتم الوصول إلى قناعات معينة، كما أن الشفافية والصراحة أساس الصورة الواضحة للمشكلة ومخارجها، وأي استخدام للتعمية والتبريرات الوهمية واعتبار الحوار صراعًا لا ينبغي إظهار ضعفه فيه، سيؤدي إلى تفاقم الأمور وتأزّمها وبقاء الوضع معلقًا، عند التهرب من مواجهة الخلاف أو الصمت عن الطرف الآخر كنوع من أشكال إبداء الانزعاج والزعل، فمحاولة الترضية ونزع فتيل الخلاف يعني جهدًا كبيرًا يبذلانه وعليهما تحمل مسؤولية الاستقرار في علاقتهما، فالسعادة الزوجية ليست أحلامًا وردية بل عملًا مشتركًا لبناء الأمان والسعادة، وتجنيب التفاهم والثقة بينهما أي منغص يمكنه إحداث ربكة أو خلل.
والعصبية والصراخ والعناد عوامل هدم وتدمير لا ينبغي اللجوء إليها، بل روح المشاركة والتعاون والإحساس بظروف الآخر هو ما يعزز القوة والمتانة في علاقتهما، والذكاء العاطفي يساعدهما في تجاوز أصعب المراحل من خلال استحضار محبته لشريك الحياة وأمله في تجنب كل ما يعكر صفو ودّهما، ويمكنهما بشيء من النقاش الوصول لحلول مرضية، فبالتسامح والتنازل بعض الشيء لأجل من يجده توأمًا لروحه يمكن العبور بسلام لشاطئ الأمان.
ولحظات الغضب أو الألم أو الوقوع تحت ضغوط نفسية وحياتية تقلب مزاجه هي تغير مؤقت، وعلى الطرف الآخر تفهم المرور بمثل هذه الأوقات الحرجة بإظهار الاهتمام به والوقوف معه والاستماع لحديثه، وهذا الاحتواء العاطفي الذكي يرجع الآخر عن قلقه وهمه ويعيد له توازنه الفكري والانفعالي، ويدفعه نحو التنفيس ومن ثم تقدير هذه المساندة الرائعة معه، فتعدد المواقف المزعجة وتراكمها يولّد طاقة نفسية سلبية تدعوه للانفعال السريع، وهذه الراحة والهدوء سيؤهله بشكل كبير جدًا للتفاهم والنقاش بروية وحكمة، وحينئذ ما كان يبدو صعبًا ومشكلة عويصة لا حل لها ستغدو سهلة ويمكن علاجها، فالاحتواء لغضبه إيحاء إيجابي ولون من ألوان إبراز الحب بينهما، والأمان يتعزز بما يصله من رسالة أن شريك حياته أهل وثقة في الأوقات الصعبة.
فمجرد الاستماع والإنصات باهتمام يعد نصف المسافة للوصول إلى حل، إذ أن هذه التهيئة النفسية تدفعهما نحو التفكير المنطقي والتخلي عن التّزمُّت والعناد وأسلوب الصراخ والاتهامات المتبادلة.
التواصل الإيجابي والحوار الهادئ يطفئ أكبر نار مشتعلة بل ويخمد نيران الغضب والنفور من الآخر، وتؤسس لأرضية التفاهم والمشاركة في كل شيء في حياتهما الزوجية، ويصلان لقناعة بأنهما مؤهلان للنقاش بهدوء وبذل الجهد لتجاوز المراحل الصعبة وتجنب إرهاصات الخلافات.