سفراء الحسين

لا يختلف أحد على دور المنبر الحسيني الرائد في الإثراء المعرفي الكبير للفكر الشيعي، بحيث اعتبره البعض الجامعة الأولى التي تغذي العقول، والأفكار، والأرواح، وفي كل بقاع الأرض، ودون تكاليف.

لا شك أن الثقافة الخاصة التي تربّى عليها الحسينيون أسهمت إسهامًا فعالًا في الثقافة المعاصرة المتوقدة في الأجيال الممتدة على وجه البسيطة.

إن إطلالة واحدة على دور عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي تغنينا عن ألف برهان.

جعل الوائلي العظيم جامعة الحسين بستانًا من المعلومات، والمعارف، والكمالات الإنسانية التي تنثر على عقول الناس بلغة، وأسلوب خاص أكسبها قيمة مضافة، وحقّقت ثمارًا يانعة حفظت الأمة، وأنارت السبل.

ما زال دور الخطابة الحسينية ممتدًا بامتداد التاريخ، بدأ الوائلي الانطلاقة الفعلية الحقة كمؤسس وعميد ليتبعه جمعٌ غفير من الخطباء الرساليين الذين أثروا الساحة علمًا، وفكرًا، وروحانية خاصة.. ولسنا في صدد إيراد الشواهد فهي ملء البصر وفي كل البقاع.

غير أن العظيم الشيخ عبدالحميد المرهون قدوة خاصة يندر تكرارها في مجتمعنا المعاصر. جمع بين العلم، والخلق، والتقوى فكان (الشيخ الإنسان)، وجمع بين العِبرة والعَبرة فكان الشيخ (قدوة الصالحين)، وجمع بين الفضيلة، والأبوة، والتواضع، والحب فكان (أسوة الطاهرين)، فضلًا عن جوده، وكرمه اللامحدود، ودوره الاجتماعي الإنساني الفريد الذي يسابق السماء علوًا، وعليه؛ استحق الشيخ الفاضل وبكل موضوعية أن يكون (قلب القطيف النابض)..

هناك الكثير من العلماء الكبار في قطيف الخير الذين تَرَكُوا بصماتهم على جبين الزمن، ومازالت آثارهم خالدة رغم امتداد التاريخ، وقد شهد لهم كل من عاصرهم، وصحبهم عن قرب، ولا شك ولا ريب أن الشيخ المرهون في طليعتهم.

كانت القطيف ومازالت ولّادة للمبدعين، وللرساليين وللعلماء، وللقامات الإنسانية عبر تاريخها المشرق والحافل بالعطاء؛ لذلك لسنا نخشى عليها أبدًا فهي بيت من بيوت الله أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ومن تكفّل الله بعلوه لا يسقط أبدًا، ولو تكالبت عليه الجن، والإنس، وباقي الخلائق مجتمعة.

وعليه؛ نرى أن الخطباء المعاصرين هم سفراء الحسين الذين يحملون على كواهلهم أداء رسالته بأبعادها وتجلياتها الحقيقية.

من هنا كان من اللازم علينا كمجتمع واعٍ تربى تحت ظل الحسين، ورسالته، وشهادته أن يجعل لهم مقام إجلال وتقدير يليق بهم، وبدورهم، وبمسؤولياتهم الكبيرة. إن سقطت القامات العلمية في أمة سقط المجتمع بأسره؛ وبالتالي أقم عليه مأتمًا وعويلًا.

كذلك الحال يكون واجباً على الخطباء بحيث يدركون حجم الرسالة التي حملوها ويؤدونها كما يريد الله، ورسوله، وآل محمد فحسب.

من الخطباء من هم رساليون، ومنهم مهنيون جعلوا الحسين وسيلة للعيش والتكسب المشروط، يتفقون على مبلغ القراءة، ومدتها، واتساع المجلس ولا بأس بالحديث في مائدته وعطائه. هم بذلك وضعوا أنفسهم مستأجرين كالأدوات المتحركة وقيمتهم لا تتجاوز المال الذي تسلموه بشروطهم – وإن كان ذلك حقا مشروعا لهم -، فما كل جائز يليق بك عمله. هناك الكثير من الأمور الجائزة أو المباحة ينبغي تجنبها لأنها لا تليق ذوقًا وحُسنا بالرساليين العظماء.

إن رسالة الحسين (عليه السلام) هي رسالة محمد (ص) وبالتالي هي رسالة الإسلام الخالدة، وما يليق بها يختلف نوعًا وكيفًا، بل جملة وتفصيلًا عن سواها.

جل القائمين على المآتم يبذلون كل إمكاناتهم ليكونوا شركاء مع الخطباء في أداء الرسالة العظمى، كما أنهم يقدرون حاجة الخطباء ومقدار احتياجاتهم، بما يتناسب وعطاءاتهم وإيرادات المآتم الحسينية. لذلك لا حاجة للشرط عليهم لأنهم العمد الأساس الذي لا تتحقق الأهداف دونه.

لا أحد ينكر أن هناك خطباء يشترطون الأماكن الرحبة، والأفنية الكبيرة، والأموال، فضلًا عن أمنيتهم في مائدة حسينية مدوية.. ولنا شخصيًا تجارب في هذا المضمار تُغني عن الالتفات لبعض الخطباء الذين نفوا هذا الأمر جملة وتفصيلًا، هم صادقون، ونحن صادقون وإن تقاطعت الرؤية. بنوا رأيهم على تجاربهم، ونحن بنينا رأينا على تجاربنا فكانت الخطوط النهائية متقاطعة.

أعتقد أن الشريحة الكبرى من الخطباء رساليون حقاً؛ بمعنى أنهم مستعدون للقراءة، وللإثراء وللتعزية، وللتبرع المالي وفي كل مكان ودون مقابل، ولنا في ذلك الكثير الكثير من الشواهد، والشيخ المرهون أنموذج حيّ بين الناس.

نحن في القطيف واثقون أن الحسين رسالة العظماء، وهدفهم المنشود، وكلنا ثقة أن سفراء الحسين مؤتمنون ومخلصون وأهل نبل ودين.

التقوى وحدها هي المحرك الفعلي للتمييز بين الخطباء الرساليين، والخطباء المهنيين. الحسين وسيلة وغاية وليس وسيلة فحسب.

وعليه؛ فالرساليون يبحثون ليل نهار لتغذية الناس بعلوم آل محمد الحقة الخالصة. تحمل منابرهم علمًا نوعيًا، وروحانية عالية تطّهر الأرواح وتزيل مرارة السنين، وتكون آثارها ورودًا معلقة على جيد الأجيال الناشئة جيلًا بعد جيل.


error: المحتوي محمي