وأحِيكُ من نجومِ أرقي أملاً يتيماً وضياء مُنْكسرَ النورِ، فهذهِ النجومِ التي تخدشُ الجزءَ الساكنَ في روحي، إنها تِهْدهِدِ هشاشةَ انتظاري، تسكِبُ حُرقةً ووجعاً صامتاً منذُ زمنٍ بعيدٍ جداً!
وجعاً غيرَ قابلٍ للحديثِ وعصيٍ على البكاء! هل لي بعناقِ نجمة؟
أغزلُ من خيوطِ الظلامِ قصةً بدايتها منذُ أعوامٍ مضتْ، ونهايتها منحوتةٌ بالفرحِ في قلبٍ يتظاهرُ بالأمانِ، فهذهِ القصةُ تنزفٌ بحبرٍ هلامي يتشكلُ منْ يقينٍ وإيمانٍ مُطلقٍ بالوصالِ، إنها تناجي انكسارَ شعوري، تلقي بآهاتِ بعثرتها في نبضِ وريدي!
هذا النبضُ الصارخُ بصمتِ الشوق، هل لي باحتضانِ نظرةِ التأملِ في عينهِ؟
أقاومٌ الغرقَ في تفاصيلِ رحلتكَ وأبني زورقاً صغيراً يتسعُ بطيبِ أنفاسك، وهذا الزورقُ شامخٌ بالحديثِ الذي لا يُفهَمْ، وبالكلامِ الذي لا يُفَسَرْ، إنهُ خشبٌ ومساميرُ تطعنُ شهقاتِ ضميري ورتابةَ ندمي، بلْ إنها تُمَزِقُ ما بقي من رغبةٍ أبديةٍ بالموتِ فيكَ ثم الحياةِ بعد نفخِ روحِ الإحساس!
هذا الغرقُ المتسلطُ بجبروتِ الفراق، هلْ يُعيدُ لي البهجةَ الأولى لاحتواءِ صوتك؟
أيها القادمُ من البعيد، أيها المسافرِ في محيطاتِ دمي، أيها المُتَلَصصِ على الكلماتِ، أيها المغرورُ بفرحِ الحضورِ في فؤادي، هل تسمعُ حكايتي لهذهِ الليلةِ المرتديةِ لباسَ الأرق؟
في صيفٍ مترفٍ بالغربةِ، كنتَ تقرأُ هذيانَ حروفي وتشتتَ خطواتها في البوحِ، كنتُ أناديكَ بالرجلِ الشرقي في حبرِ عتابي، وأًسَمِيكَ بالرجلِ المتسلطِ في كبريائهِ، لتنكمشَ غيرةً لامتناعي عن امتلاككَ في لغةِ بوحي!
أتذكرُ أنَ جبينكَ كانَ فضةً يذوبُ حينَ أناديكَ بعبارةِ يا رجلي الشرقي، كُنتَ ترقصُ سروراً لأنَ طفلةً في دربِ الحبِ، أرادتْ امتلاكك بشرقيةِ الانتماء، ياه! كنتُ أترنمُ شعراً وأهمسُ دفئاً:
يا رجلي، وقيثارةِ عشقي، ووطني، وانتماءَ شعوري!
في شتاءٍ بعيدٍ جداً وعباءةُ الليلِ تسترُ عتابكَ لتمردي على البردِ، كنتَ تنظرُ لكبرياءِ الدمعةِ في زاويةِ عينيَ اليمنى، هل تعودُ بكَ الذاكرةُ لترسمَ العسلَ المشتعلَ لوماً في عينيكَ؟ هل تُلقي الأحاسيسُ بظلالها على تلكَ اللحظةِ وندفُ الثلجِ تسقطُ كخيوطٍ صوفيةٍ متلاشيةِ الانتماءِ، والرجفةُ بينَ يدي تقتحمُ العتابَ، تخدشُ الغرورَ فيكَ، وتجبْرِكُ على الوقوفِ والهمسِ بطيشي ودلالِ عنادي!
في تلكَ اللحظة الدافئةِ حُباً، أينَ كُنا؟
كُنتَ تقفُ أمامي، تضعُ يدكَ اليمنى في أسفلِ ذقني، تهمسُ: لمْ تُخلقَ هذهِ العيونُ للنظرِ للأرضِ خجلاً بلْ للحديثِ بلغتها الخاصةِ، ناجي عتابي، مزقي خوفي، حطمي اللومَ في تفاهةِ حديثي، وشوهي ما رأيتُ من قصورٍ في حروفك!
كنتُ أرتجفُ فقطْ، أبكي في العمقِ برداً، وشعري الأسودُ يتوارى خلفَ الوشاحِ الأخضرِ ويتبعثرُ بينَ اللونِ الرمادي في قميصي الحريري والبياضِ في أصابعيََ! هل تذكرُ ماذا حدث؟
خلعتَ معطفكَ الكحلي اللونِ، رأيتُ سمرةَ عنقكِ، بياضَ الخوفِ في عينيكَ، سكبتْ عتاباً بنظرتكَ للسماءِ وندفُ الثلجِ التي تتسابقُ نحوي، احتضنتْ يديَ اليسرى بيدكَ اليمنى، وضعتَ معطفكَ على عُرِيِ الدفِ في رماديةِ تبعثري، طبعتَ قبلةً في يسارِ معصمي، واحتوتني رائحةُ العودِ في العطرِ المنسابِ بينَ زوايا معطفك!
تسابقتْ ذراعكَ لتدفئتي، جثوتَ حينها على ركبتيكَ، تغلقُ أزرارَ معطفكَ الذي احتواني رغمَ عتابكَ، رغمَ يقينكَ بأخطائي، رغمَ غروركَ بحبي، رغمَ استحالةِ تصديقكَ لذنبي، لتهمسَ بجنونِ فكرتي وطيشِ لغتي:
أنا أموتُ وأحيا بك ْ!