الكوليسترول بين أسطورة المبالغات.. وحقيقة التأثير!

التركيز على دور الدهون وعلاقتها بأمراض القلب ما زال موضع جدل بين الأطباء وعلماء وأخصائيي التغذية.

أخطأوا: في تسمية الدهون بالعدو.

وأصابوا: في الدور الذي تلعبه الدهون في حياتنا الغذائية.

واكتشفوا: أن هناك أطعمة يجب أن نتوقف عن تناولها.

ليس صحيحًا أن الاستهلاك المفرط للدهون أو ارتفاع الكوليسترول لا يؤدي إلى ضرر بحياة الإنسان.

وإذا كان صحيحاً ما يقال أن زيادة الكوليسترول في الدم يمكن أن تكون خطرة على القلب.

لعل في هذا ما يكفي لتعزيز طمع المصانع الغذائية والدوائية والأجهزة الطبية والمختبرات التي استفادت من طرح هكذا فرضية – وتثبيت الهيمنة والتوجيه من أجل دافع واحد فقط وهو جمع المال لتحقيق ثروات.

لكن منذ سنوات بدأت تنمو حركة ارتجاعية تنتقد ذلك الاعتقاد السائد وبات النظر إلى ضرر الكوليسترول يحمل دلالة أسطورية غير مستحبة.

مجرد تغيير أو تحويل بعض المفاهيم والفرضيات إلى أسطورة واستبدالها بمصطلح “لا للخوف من الدهون” هي نقلة نوعية واعتراف ببراءة الدهون من أمراض القلب.

هذا هو العنوان الذي أربك الحياة الغذائية وغير مفاهيم سابقة واستبدلها بأخرى.

هي لا تخدم عمالقة صناعة المستحضرات الصيدلانية “أدوية تخفيض الكوليسترول”، ومراكز تسويق حميات منخفضة الدهون؛ التي تحكمت وسيطرت بأساليب متنوعة بدءًا من مراكز البحث العلمي مرورًا بالتصنيع وانتهاء بالتسويق والتسعير … وكذلك الادعاءات التسويقية المضللة.

تلك الجهات نشرت الرعب والخوف والقلق والإرباك ودفعت بالكثير من الناس للتوقف عن تناول الأطعمة الدسمة من أجل صحة قلوبهم.

ذلك التوجه أو الفرضية لم تكن مقنعة إلا قليلاً!

ولعل الاضطراب في وضوح الصورة عند كثير من الناس وترديدهم الدائم بالقول:

نصدق من؟

سأحاول أن أصف تلك الصورة كما أراها بحكم خبرتي وتجربتي وممارستي في مجال الغذاء والفحوصات المخبرية – وإن شاء الله – نتوفق في إعطاء الصورة المطلوبة.

في حكم الضرورة أجسامنا تحتاج للدهون وغيرها من العناصر الغذائية ـ تحت ضوابط التغذية المتوازنة ـ وحينما تحرم أجسامنا بعنصر أو أكثر من العناصر الغذائية الضرورية بحجة ما يحمله هذا العنصر أو ذاك من مضاعفات صحية؛ فمن الطبيعي حدوث خلل وظيفي وعدم تحقيق التوازن الغذائي، ونكون قد أسأنا إلى صحتنا، وهذا خلاف من جاءت به سنن الطبيعة.

إن المبالغة في خفض الدهون لا تفيد.

للوقاية من أمراض القلب، علاوة على ما له من آثار سلبية أخرى، فالله سبحانه وتعالى لم يسخر هذه النعم عبثًا، وطالما أن الإنسان لا يشتكي من أي مشكلات صحية تحول دون تناول أو الامتناع عن عنصر غذائي معين – فهو موجود بنسبة جيدة ومقبولة صحيًا، إذا أخد ضمن غذاء متوازن.

رغم كثرة الضجيج المثار حول مشكلة الدهون والكوليسترول في أغذيتنا وعلاقتها بالصحة العامة، إلا أن كثيراً من الغموض حولها ما زال يترك للمتأمل أكثر من تساؤل!

ما أهمية الكوليسترول في الغذاء وفي الدم؟

كوليسترول الغذاء ينعكس على كوليسترول الدم بصورة “جزء من كل” فارتفاع الدهون في الغذاء يرفع كوليسترول الدم، والدراسات بينت أن تناول الأغذية الغنية بالدهون يؤدي إلى زيادة كوليسترول الدم.

إن احتواء الدم على الكمية المناسبة من الكوليسترول لهو ضروري للصحة، وفي عدم وجوده أو انخفاضه تتأثر وظائف الجسم الأساسية لأن هذه المادة الطبيعية هي جزء مهم في تكوين الهرمونات وأغشية الخلايا وتلعب دورًا كبيرًا في العمليات الحيوية.

والقول بأن زيادة الكوليسترول في الدم يمكن أن يشكل خطراً على القلب ـ هذا أمر لا يمكن الاستناد عليه؛ كون الزيادة أو الاستهلاك حتى حدود الإفراط يبتعد عن الاعتدال، ويعني انحراف “لا إفراط ولا تفريط” ـ ولوجود عادات وممارسات تغذوية وأنماط حياتية تحكم ذلك القول.

إذًا، ما هي الأسباب الحقيقية لأمراض القلب والأوعية الدموية والجلطات؟

دراسات وأبحاث أثبتت أن الأغذية المعالجة والمجهزة والمصنعة الغنية بالإضافات الاصطناعية والملوثات الكيميائية، إضافة إلى عوامل أقل وضوحاً كالتوتر والاضطرابات النفسية والعصبية هي مسؤولة عن العديد من الأمراض منها الجلطات والنوبات القلبية والأمراض المستعصية.

لذا يجب أن نفكر طويلاً قبل إصدار الحكم على الكوليسترول وعلاقته المباشرة بأمراض القلب، وأن تلك الفرضية التي بنيت في الأصل على العرض والطلب كونها غير دقيقة، لا تخلو من المبالغات، وهي في طريقها للتلاشي وأن الحرب على الدهون قد أوشكت على الانتهاء.

أجدني للمرة الثانية أتحدث في هذه القضية الصحية التي شغلت بال عدد كبير من المرضى كون ثمة اعتقاد سائد لدى البعض بأن الدهون تؤثر بشكل كبير على القلب وتؤدي إلى حدوث جلطات وهذا اعتقاد خاطئ تمامًا؛ حيث إن الأبحاث والدراسات الحديثة أكدت عكس ذلك.

مؤخراً فقط اتضحت الأسباب وراء ذلك.

اليوم نرى جمعية القلب الأمريكية (AHA) بناء على دراسات وأبحاث من خبراء مختصين ينفون أسطورة أن الدهون وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم السبب الحقيقي لأمراض القلب.

وشكك الباحثون من خلال دراسة من جامعة كامبريدج البريطانية (٢٠١٤م) في الربط بين ما يسمى بالدهون السيئة وأمراض القلب.

وفي دراسة شاملة صادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية أن الأشخاص الذين يتناولون الأغذية قليلة الدسم هم أكثر عرضة للسمنة والأزمات القلبية.

كما أثبتت الدراسات وجود آثار جانبية مقلقة للأدوية الخافضة للكوليسترول ـ وهي نتيجة طبيعية لأغلب الأدوية والعقاقير الطبية.

ومما يلفت النظر، وهي نعمة من نعم الله عز وجل أن أغلب الكوليسترول ليس مصدره الغذاء وإنما الجسم نفسه هو الذي ينتجها بهدف المساعدة على إنتاج الهرمونات وفيتامين D وأن معظم المشاكل الصحية هي بسبب عوامل خارجية كالعادات السيئة مثل الإفراط في تناول الأطعمة المقلية والأغذية المعالجة والمصنعة والمعلبة والحلويات المليئة بالمحليات وبدائل السكر، كلها أغذية غير متزنة ومتخمة بالإضافات الاصطناعية الضارة بالصحة.

كل تلك التجاوزات سببها نوعية الطعام وكيفية إعداده أو تحضيره والحميات قليلة الدسم والتغيرات في نمط الحياة.

وهنا مكمن الخطر!

لقد تبدل حال الغذاء حيث الخلل والإفراط وقيمة الغذاء..
صحة الإنسان أصبحت حقلًا للتجارب والأرباح..!

ثم بعد ذلك يتهمون الدهون التي من مصدر طبيعي ببعض السلبيات التغذوية من أجل ترسيخ مفهوم لا علاقة له بالصحة وإنما السعي وراء المصالح دون اهتمام لما قد تجلبه من مشكلات.

ظلت الدهون عنصراً أساسياً في غذائنا تمدنا بالطاقة والحيوية والنشاط، إلى أن تحولت إلى شيء ضار بالصحة؛ شحوم اصطناعية؛ وزيوت مهدرجة.

في زمان كنا نعيش وسط أحياء وقرى ذات عراقة وعمق تاريخي تحيط بنا خيرات البلاد زروع ونخيل وأشجار وحقول خضراء وعيون جارية وخليج معطاء، تعج بما لذ وطاب.

نأكل اللحم بالشحم والسمك بالسمن البلدي “سمن الآباء والأجداد”، يأكلون الطبيعي؛ سمن بري مستخلص من حليب أفضل القطعان، يتم لعق السمن حتى آخر قطرة.. كنا نكثر من السمن في الأكل ونستعمله في الطبخ، نأكل كما يحلو لنا دون قيود، مائدة دسمة تزخر بأطايب الطعام، ونفس طيب، وطبخ متقن، ومذاق مميز، وطعم لا يقاوم – وكانت هناك صحة وكانت هناك رشاقة لا مثيل لها كنا نلعب ونجري ونعمل دون تعب.

نحن في حاجة إلى العودة إلى زمن الطبيعة حياتيًا وغذائيًا، الزمن الذي اتسم بالبساطة التي لا تقدر قيمتها – بفضل الله أهل ذلك الزمن لم يكن لديهم أمراض العصر ولا مشكلاته.

اليوم غذاؤنا عاثت به تقنيات القرن الحادي والعشرين بشتى صورها؛ التقنية الغذائية حددت لنا معالم ما يسمى بالمضافات الغذائية الضارة بالصحة، عمت الأمراض، فلن يكون من السهل أن نجد طعامًا طبيعيًا في السنوات القادمة!

نعم البعض يرى الدهون ضارة والآخر مفيدة، ولكن لم يتوصل أحد إلى دليل قاطع على أن الإقلال من الدهون سيقلل من الأخطار الصحية.

والحقيقة أن التوازن والاعتدال في تناول العناصر الغذائية المأخوذة من مصادرها الطبيعية هو الطريق الصحيح للصحة.

والقاعدة الذهبية:

“اصنع من عادات الغذاء ما يغنيك عن الدواء”.

أسأل الله للجميع الصحة والاستغناء عن الدواء.

اختصاصي تغذية وملوثات
منصور الصلبوخ


error: المحتوي محمي