بنظرة زائر لا مقيم ومستوطن بديار القطيف، زائر هُمس في أذنه بمواصفات تجلب الفخر والاعتزاز وأنه سيزور قطيف الخير التي تملك ذاك الفخر، وكان هذا الهمس منذ زمن لكنه للتو يزورها، كان متحمسًا لزيارة مجد القطيفيين وإن كانت لا تزال كذلك، ولكن يبدو أنه سيخيب حماسه لأنه مع الزمن تتلاشى بعض الجماليات الأساسية التي تطفي الحسن على موصوفها، وبزوال ذاك الحُسن الخاص لن “يُرقعه” حسن الأمور الأخرى الجديدة.
الحُسن والجمال المفقود لن تراه في صور الشباب إلا ما ندر، ستراه ربما في صورة عجوز قد كُف بصره لكن نور وجهه المضيء بنور الصلاة لن تخجله تجاعيد الزمن ولن تنسيه أوان دخول محبوبته حين يذّكرك أنت المبصر بوقت الصلاة حين تتأخر عليها لانشغالك بهاتفك.
الحسن والجمال كله في امرأة كبيرة تأبى مقابلة رجل ليتوسط لها في إطلاق سراح ابنها المسجون، حفاظًا على سترها حتى لو طال غياب ثمرة فؤادها وتردد اطمئنانها إنه سيكون في حفظ الله!!
قد يظن البعض أن هذا مجرد خيال وهو ليس كذلك، فلدينا في آبائنا وأمهاتنا أمثلة تستحق أن توضع في بطون الكتب ليُخلد التزامها وولاؤها، وربما كان البعض منهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن لسان الحق فيهم ناطق بالتطبيق.
لهذا قد يوصمهم البعض بأنه جيل صارم ومتحجر ومتشدد، ولكن صرامتهم هي من ربت الثابت اليوم وبالغد، وليست كتربية التساهل في الدين هذه الأيام والتي لا تربي إلا المهزوز أمام فتن الزمان والخاضع لها.
نعم ربما الزمن تغير وما كان ينفع هناك الآن يحتاج إلى أمور أخرى لتتلاءم مع الجيل الجديد لكي لا ينفر من تعاليم السماء التي تتوافق مع الفطرة الإنسانية، والتي عمل بنو البشر ليصوروا تشويهها وعدم التوافق معها تبعًا لتحقيق رغباتهم وشهواتهم.
بدأت مقالي بصورة مجد القطيف بالالتزام الديني والذي كان حتى المراجع يُثنون عليه ويشيدون بجماله، خاصة التزام المرأة بحجابها ولكن ماذا عن الآن؟!
يعز عليّ ذكر التفاصيل والتي لا أشاء ذكرها واقعًا لأن الجميع يعلمها ويراها أمام عينه بدون أي زيادة أو نقصان، فكل من سيذهب لمكان عام قد يصادفه شيء يجعله يسأل هل أنا حقًا في القطيف التي يتحدث الكثير عن التزامها؟!
هنا سأذكر حادثة قديمة قد ارتكزت في ذاكرتي ولا أستطيع نسيانها أبدًا لأني أعده موقفًا مشرّفًا لصاحبه الذي لا أعرفه، وكان في أول عهد ظهور عباءات الكتف وصادف حينها أيام المحرم، وبعد أن انتهى الخطيب من مجلسه انبرى أحد الحضور ليمسك بالميكرفون حتى يدافع عن نفسه ودينه قبل أن يدافع عن بني جنسه، وقال كلمته التي فاجأت الجميع وكانت بمعنى أن دعوا النساء تتوقف عن لبس هذه العباءات لأنها تُغرينا إذا كانت ضيقة ومزينة، واعترف أنه رجل ينغري بها لأنه كان شيئًا جديدًا على المجتمع.
حقيقة لا أعلم تلك الليلة كيف رجعت لمنزلنا من الخجل وتمنيت أني لا أنتمي للنساء حتى لو لم أكن معنية، فكلمته مهما كانت قصيرة إلا أن هزتها وقوتها كانت بمثابة ضربة مجاهد شجاع تسلح بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليضربها، وكان ينتظر من يتحدث قبله وحين لم يجد وشعر بالخطر قام هو بالمهمة.
من تلك السنة إلى هذا اليوم هل نجد رجلًا غيورًا مثله يصرخ بصوته للتوقف عن ما هو أعظم في تشويه صورة الالتزام في القطيف؟ وهل يا ترى نشهد تزايد عدد أمثاله أم تضاؤلهم واختفاؤهم؟
نعم لو كان لدينا رجال غيارى لن تجد بالعمل أو بالسوق أو بأي مكان نساءهم وبناتهم يُظهرون شعورهنّ وزينة وجوههنّ بشكل عادي، بدون نطق أي كلمة من ذاك الأب أو الزوج أو الأخ بدعوى الانفتاح والتحضر ومواكبة العصر وعدم التعقيد في الحياة.
أنا لا أعمم شيئًا على أحد لأنه لو خُليت خُربت، ولكن نحن نستهين ببعض القرارات ولا نضع ضوابط حازمة عليها منذ البداية، فمثلًا حين تقرر الفتاة كشف وجهها ويؤيدها الشرع لذلك وليس لدينا حكم يمنع بذلك، لكن من المهم التوضيح لها أنه يحل الكشف إذا كان بدون إظهار زينة فيه، وقطعًا بدون إظهار شعر الرأس، لا كما نرى الآن من نماذج لا تمثل معنى الحجاب بحجابها.
فاللوم على الرجل ليس تحيزًا، لكن لأن إدارة الأسرة يقع عاتقها على ربها وهو الرجل، ولا أستبعد دور الأم التي يفترض أن تكون القدوة الحسنة، فإذا اختل شيء في الأصل فليس علينا أن نلوم الفرع.
أعود لأقول نحن نمتلك الآن كل التقنيات بين أيدينا والتي قد توصلنا لمعرفة الأحكام الشرعية بضغطة زر، والتي كان آباؤنا بصعوبة يحصلون عليها وقد يسافرون ليحصلوا عليها ولو بشق الأنفس، لكن الفرق هم كانوا إذا حصلوا عليها طبقوها وحافظوا عليها وزرعوها بقلوب أبنائهم كبذرة خير تنتج طيب الثمر، ونحن بالمقابل نسيناها أو بالأحرى تناسيناها وتجاهلناها أو حتى لم نبال بالبحث عنها لأنها لن تعجب أهواءنا بالنهاية، ولن نجبر أبناءنا عليها بطبيعة الحال.
ويظل قول الحبيب محمد (ص) حاضرًا ليكون حُجة علينا، حيث روي عنه أنّه قال: “كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر” فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال (صلّى الله عليه وآله): “نعم”، فقال: “كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟”، فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ فقال: “نعم، وشرّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؟”.