الصورة لا تكذب

نادي الفنون بالقطيف اسم على مسمى، حيث إن الفنون تتألق بأنامل الفنانين والفنانات، فسجله حافل بالأنشطة والفعاليات والورش والدورات والمعارض على مدى عقدين من الزمن، هو باختصار منارة الفن في منطقتنا.

بالنسبة لنا – معشر أهل الفن – يعتبر بيتنا الثاني، فهو جزء من سنين عمرنا حيث يضم بين جنباته عدة جماعات فنية (تشكيل، وخط، وتصوير) بالإضافة إلى تكوين جماعتين مستحدثتين؛ (التصميم والعمارة، وفن الكاريكاتير)، وأقدم الجماعات؛ جماعة الفن التشكيلي التي كافحت طويلًا للاستمرار والثبات والبقاء رغم العواصف وهبوب الرياح العاتيات، بين عرق وتعب ومال قدّمت الجماعة نماذج من التضحيات الجسام حبًا للفن والإبداع، ديدنها البذل والعطاء والإخلاص لرفعة اسم البلد وعشقا لأرضها، جهد دؤوب وعمل مضاعف لمعارض هي الأكثر حضورًا بين الجميع سواء الفردية والجماعية، بالإضافة لإقامة معارضها خارج المنطقة (جدة، وسوريا، وقطر) الأمر الذي لم تقم به أي من الجماعات الأخرى، وأيضًا توجت مسيرتها باحتفالية ضخمة بمناسبة مرور عقد على تأسيسها قبل عشر سنوات.

سجل الجماعة حافل بالمنجزات والحضور المتألق على مدى 22 سنة، ومن الصعب حصر سجلها في بضعة أسطر، فقط ذكر لمحات عن مكانتها الفنية، فهي حاضرة ليس على المستوى الفني بل على المستوى الإنساني مثل وقفاتها التضامنية المجتمعية (كارثة حريق القديح، وسيول جدة، والتفجيرات الإرهابية) وغيرها، فهي مواكبة للأحداث، ومتفاعلة مع الحراك التشكيلي في عموم الوطن.

هذه المسيرة الوضاءة أفرزت الكثير من الفنانين والفنانات، وأصبح لهم حضور وشأن في عالم الفن، محليًا ودوليًا، حيث إن البعض منهم قد خطا خطواته الأولى انطلاقًا من جماعة الفن التشكيلي، وتشبع من نهجها وفكرها وخبرات القائمين عليها، ولا تزال هذه الجماعة وغيرها من جماعات نادي الفنون بالقطيف في حراك ديناميكي مستمر.

قبل سنة تعرض نادي الفنون لتحول كبير لم يكن في الحسبان، إذ أخرج عنوة من محل إقامته المعروفة في مبنى مركز الخدمة الاجتماعية، وارتحل لمبنى لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف، وهي الراعية والحاضنة له منذ تأسيسه، تواجده في المكان الجديد حدّ بشكل أو بآخر من إقامة فعالياته وحجّم من أنشطته بسبب ضيق المكان، والمعاناة انعكست على أوجه عدة، وبالنسبة لجماعة الفن التشكيلي فلم تقم خلال العام المنصرم سوى ثلاث فعاليات؛ معرض (الأسود والأبيض) ومعرض (فن الطفل)، وورشة رمضانية.. بخلاف السابق فقد كان جدولها ممتلئ على مدار العام .

وها هي تكابد منذ انتقالها القسري لإيجاد صالة تستوعب حجم المنتسبين لها، وتجاهد في أن تقيم معرضها السنوي فلم تجد المكان المناسب للعرض، حيث إن أعداد الفنانين والفنانات الأعضاء في تزايد مستمر لا تسع أعمالهم صالة عادية محدودة المساحة، فهي تبحث عن مكان مناسب، وقد طرقت الأبواب هنا وهناك ولم تجد ما يحوي معرضها، وقد تجاهد في تقليص المعروض أو تلجأ للعرض على صالة جمعية الثقافة والفنون؛ الأمر الذي لا يحبذه البعض، ولكنه هو المكان المتاح وأصبح المفضل لكثير من فناني وفنانات القطيف في الوقت الحالي بعد أن ضاقت بهم السبل إثر فقدهم صالة مركز الخدمة الاجتماعية، فخلال العام المنصرف قدم ما يقارب 10 معارض لفنانين وفنانات من القطيف بين فردية وجماعية في صالة عبدالله الشيخ بجمعية الثقافة والفنون بالدمام.

سؤال محير؛ محافظة بطولها وعرضها تفتقد إلى صالة عرض تحوي هذه الجماعات الفنية المتعددة؟!
وبين آمال مرسومة لإيجاد صالة عرض مناسبة مثل التي فقدت، ورسم الخطط المستقبلية لكل جماعة، يؤخذ نادي الفنون على حين غرة وتتلف أغلب مكتسباته من أرشيف وسجلات وصور، وأعمال فنية وكتيبات، ولم ينج إلا القليل من هذه المحتويات، والفاعل يبرر فعلته: “لا يوجد مكان لكل هذه الأغراض في مبنى اللجنة”.

انتشرت الصور والفيديوهات للفعل المخزي في حق الثقافة والفنون انتشار النار في الهشيم، حاول البعض إغماض العيون، ولا يريد أن يصدق ما يشاهده لكن الصورة لا تكذب، كتب ما كتب، وعلق ما علق من كلام وصراخ وانفعال وأنين واجترار الحسرات، وكل الذي حدث من ردات فعل متوقعة من قبل الفنانين والفنانات بل حتى الذين لا علاقة لهم بالموضوع من أبناء المجتمع كانت استجابتهم تضامنية
وتفاعلية كأنهم هم الذين دمرت أعمالهم، فكيف الحال عند الفنانين والفنانات أصحاب الشأن؟!

نعم والحديث ذو شجون، ولكن أشجان مؤلمة وموجعة، لا داعي لسرد تفاصيلها أمام الملأ، يكفي التلميح لذلك النحيب، نعم سمعت بأذني بكاء البعض واستشعرت الألم والغصة في الحلوق.

أي فعل حدث؟ وأي محنة تمر؟ على مسيرتك يا نادي الفنون بالقطيف.

يا أيتها العقلانية أحيطينا فهمًا و(ركادة)، ويا قيم التسامح تنزلي على النفوس الموجوعة، ويا هدوء امسح على القلوب الحزينة، ويا تفاؤل انثر حنانك على الذائقة، ويا أيتها الأنامل لا تستسلمي للقنوط فغدًا سيحدث الله بعد ذلك أمرًا.

أتمنى مخلصًا أن تتجاوز ما حدث، لكن كيف السبيل لفعل ذلك؟
الخيرون بأيديهم زمام الأمر.


error: المحتوي محمي