بين الصحةِ والمرضِ خيط، وبينَ العقلِ والجنونِ خيط، وبين الغنى والفقرِ خيط، وبين الحياةِ كلها والموت خيط. في مجموعها هي خيوطُ القَدَرْ تجعلنا مثل العرائسِ في مسرحِ الحياةِ الكبير، نرقصُ لنحيا، ثم نرقص ونموت! أليس هذا يشبه مسرح العرائس غير أن من يسحب الخيطَ يعرف حركتها دونَ أن تدري العرائس أين مكانها وأين سوفَ تكون في المسرح؟
تأتي حركةُ العرائسِ في حبالٍ مشدودةٍ بين قطبي درجاتِ الحرارة، في فصولٍ بعضها فيه من الدفءِ والبهجةِ الكثير، وفي فصولٍ يملؤها الصقيعُ الذي يجعل الحياةَ باردةً متجمدة. في عروضِ مسرح الدّمى يختبئ “المخرج” ويحرك الدّمى بخيوطٍ ممدودة تحتَ الطاولة التي تحمل الدمى، يُدخل المخرجُ يديهِ في الدمى ويحركها بأصابعه فوقَ لوحِ الخشب ويتكلم عن لسانها بأصواتٍ مختلفة. في العالمِ كله، عروضٌ لمسرحِ الدّمى في الشوارعِ والميادينِ والحدائق. وفي كُلِّ مكانٍ فيه جمهور، دمى تحكي حكاياتٍ قديمة وحكاياتٍ جديدة في القيمِ، وفي الإنسانِ، وفي السياسة.
نحن البيادق الصغيرة على لوحاتِ الشطرنج والدمى في المسرح نحب بعضنا ونكرهُ بعضنا، نعضدُ بعضنا ونأكل بعضنا، نظن أننا نستطيع أن نوقفَ الرياحَ أن تهب أو نجبرها أن تغير اتجاهها ولكن متى ما اهتزت لوحةُ الشطرنج من تحتنا، أو اهترأَ الحبلُ الذي يشدنا، قلنا للمخرج الذي حولنا: أيها المخرج ارفق بنا نحن ضعفاء.
قل لي أيها الإنسان إنه عندما يقترب حبلُ دميتي من الانقطاع وتحتاج من يشدها أنتَ سوفَ تشد حبلها، قل لي عندما أحتاج يداً تمتد إليَّ، سوف تمد يدكَ وتضغط على يدي، وعندما أحتاج كتفاً أبكي عليه، تقول لي: هاكَ كتفي. لا تقطع حبالي وترمي بي مثلَ المخرج الذي يريد أن يبدل الدميةَ بأخرى أَنْظَرَ وأجمل منها:
هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مقود؟
أتمنّى أنّني أدري ولكن…
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويلٌ أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟
أأنا السّائرُ في الدّربِ أم الدّربُ يسير؟
أم كلاّنا واقفٌ والدّهر يجري؟
لست أدري!
“إيليا أبو ماضي”
رفقاً ببعضكم وجمهوركمْ أيها العرائس، ليست كلها في هذا الجهلْ!