فقراء بهيئة أغنياء

أصبح بعضنا يسعى لأقصر الطرق وأسهلها للوصول إلى غايته والظفر بحاجته ولو كان ذلك على حساب غيره.

فتراه يُبدع في إظهار نفسه وتلميع صورته وكأنه الملاك الذي نزل على هيئة بشر، إنَّ ما يُزْعجني ويؤْلمني هو أن البعض قد اختاروا أن يُظهروا أنفسهم في مجتمعهم على حساب أخوانهم الفقراء.

فَقصدوهم لا لقضاء حاجة إنما لبلوغ حاجة، أظهروا تَعاطفهم ووثَقوا بالصور أفعالهم لِيُظهروا للناس قِيمتهم وعلو مَنزلتهم، حتى يشار لهم بالبنان بأنهم أصحاب الفضل والإحسان.

سيدي لا حاجة لأن يعرف البشر بسخاء يدك، لا حاجة لِتُرينا عبر الصور شَفقتك وعبر القنوات بطولتك، فكر في حفظ ما يجب أن يُحفظ، فكر في حِفظ عِفتَهم وكرامتهم وماء وجههم.

تلطم وطمطم أكياس جُوعهم، ترفق أن تمس حياءهم وانتبه أن تُظهر حاجاتهم، كن السباق لهم، بل كن مُحتاجهم، بل كن مطْلوبهم.. لأنك حتمًا في دنيا الزوال مُحتَاجهم، فأنى لك أن تنال ثواب البر والصدقة والعطاء إلا بهم.

تستر إن لم تعرف وتواضع إن عُرفت، تذكر أن عزة النفس لا تُشترى والرياء لا يُرتضى والمنّ يؤذي كاللظى.

ليس الكل كما تعتقد فهنالك بيننا فقراء في هيئة أغنياء، حملوا عفافهم فوق ملامح فقرهم، رفعوا الرؤوس شامخين بِعزِهم، ضيعوا عناوين بيوتهم وستروا مواجع ضعفهم وأسروا أسرار قلوبهم وأخفوا حاجة أمرهم، رمقوا السماء بدموعهم وهمسوا للأرض بجباههم.

ابتسموا للعناء وتقاسموا الشقاء وأظهروا الرخاء حتى حَسبناهم أغنياء من التعفف.

لذلك مهلًا مهلًا لا تطش جهلًا ولا تكشف سترًا، لتكن صورك في السماء وعناوينك في الخفاء وتفاخرك عند رب العطاء.

إن ما تخفيه من الخير يُظْهِره الله لك وإن ما تُظهره من رياء يُمْحقه الله؛ لذلك كن أجمل صورة لأروع منظر.

ولا يعني ذلك ألا نُظهر الخير وألا ندعو له؛ لكن حفاظًا على كرامة المُحتَاج، ولكي لا يكون إظهاره بؤسًا وهمًا وغمًا عليه.


error: المحتوي محمي