جاءَ اليومُ الأول من شهرِ كانون الثاني من عام 2019م بعد أن حزَّ عامُ 2018م في معاصمنا جروحًا غائرةً، نصلي أن تشفيها الأيامُ وتشعلَ في سراجنا نورًا يطرد الظلام، من يدري!
تحكي رواياتُ الزمنِ أننا نعرف علاماتِ الطريق في أبداننا التي لبسناها قبل أن نخرجَ من بطنِ أمنا. نولد في أجسامٍ نعتادُ صحتها ونعرف علتها. وهي ليست إلا مثلَ المركبةِ الجديدة تعطب وتصلح ثم تعود حتى لا يمكن إصلاحها. في كل مرةٍ نقف أمامَ المرآة نقول: هل كان هذا في الأمس هنا؟ تجيب أجراسُ الحياة عنا وتذكرنا في هضباتها وفي وديانها أين نحن، كل هذا حتى يعطينا القدرُ فرصةَ الصعودِ والهبوطِ والنجاة. يسمي المثلُ العربي “المغربي” هذه الأجراسَ دراعةً التي ينزعها شخصٌ ثم يلبسها آخر “الدنيا دراعة كل واحد كيلبسها ساعة”.
لبسَ هارونُ الرشيد دراعةَ الصحةِ والسلطان وكان يعرف أنها ليست الساعةَ التي ينزعها فيها فلما رفعَ رأسه ورأى السحابَ يطوف في سماءِ مملكته قال لها: أمطري حيث شئتِ، فإن خراجكِ لي، ولما اُنْتُزِعَتْ منه دراعةُ الصحةِ والسلطان أيقنَ أن الدراعةَ لبسها غيره.
يذكر التاريخ أنه لما نامَ هارونُ الرشيد على فراشِ الموت قال لأخوانهِ من حوله: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه؟ فحملوهُ إلى قبره، فنظر إلى القبرِ وبكى، ثم التفت إلى الناسِ من حوله وقال: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾، ثم رفع رأسه إلى السماءِ وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زالَ ملكه.
تعطينا الدنيا دراريعَ الصحةِ والمالِ والجمال وتقول لنا: هي لكم اليوم، متى ما احترمتموهَا، وإلا سارتْ في الدنيا غدًا نحو غيركم واستبدلناكمْ أسمالًا بالية وقديمة:
إنما الدنيا عوار ٍ… والعواري مستردة
شدةٌ بعد رخـاءٍ … ورخـاءٌ بعـد شـدة
وتأتينا الغصةُ حينما تنتزع دراريعُ الرخاءِ والنعمة من مجتمعاتٍ كانت تملكها ثم يلبسها أناسٌ آخرون، ربما لا يسقط الطائر عندما يفقد ريشةً من جناحه لكنه حتمًا يسقط إذا فقد كُلَّ الريشِ من جناحيه وهكذا هي المجتمعات لا تسقط في شخص! حقائقُ الأرقامِ والأيام تقول: إننا نحتاج أن نقفَ في مرآةِ أنفسنا اليومَ قبل الغدِ ونسألهَا: بِمَ استحققنَا ما في أيدينا، ماذا نحن نصنع به؟ وكيف يدوم لنا، وماذا لو خسرناه؟ اسألوا من عاش ستين سنةً أين كان!
وما نيلُ المطالبِ بالتمني … ولكن تؤخذُ الدنيا غلابا
كل عامٍ وأنتم بخير، هلا احتفظنا بما أعطانا اللهُ من الحللِ وطلبنا منه أن يفتح لنا المخازنَ والأهراءَ لناخذَ من العونِ ما نشاء! نحب الماضي لأننا عرفناه ونخشى القادمَ لأننا جهلناه وعندما يكونَ الحاضر ماضيًا، الله كم عشقناه!
أين عني مـن روى؟
بعضَ أحاديثِ الجوى
فاضـت بـها روحـي
وفؤادي منها ارتوى
الله! كم هًـمتُ بهـا
حتى قيلَ عني قد غوى
الله! كم في نيرانها
شاب فودي واكتوى