أنا!

الأنانية مشتقة من الأنا، الكثير منا بل معظمنا وأغلبنا قد مر في فترة من فترات حياته بأناس يعانون من مرض “الأنانية المفرطة”.

ربما لاحظ الكثير أنه هنالك تشابه نحوي بين كلمتي “الأنانية” و”الإنسانية”؛ فالأولى تعبر عن حب الشخص لذاته ونفسه إذ يفقد عنصر التضحية، أما الثانية فتختلف من الثرى إلى الثرية فهي تعبر عن حب الشخص لبقية الأفراد والأشياء المؤثرة في حياته؛ فإذا حادثت تلك الفئة يجيبونك ببعض العبارات مثل:

«نفسي نفسي» أو «ما عليّ من أحد» أو العبارة الأدهى «أنا أولى» فالعبارات يسهل قولها ولكن يصعب تقبلها، فتلك الفئة دائمًا ما تكون هي -حسب تصورهم- أنها المظلومة في هذه الدنيا وأنت دائمًا على خطأ وهم على صواب، فقط لأنه أحاسيسهم ومشاعرهم وحبهم وبغضهم تحركهم الـ(أنا) ومن الحقائق التي لابد من الوقوف عليها أن الإنسان جبل على حب ذاته وحرصه على جلب الخير لها ودفع الضر عنها، وهذا أمر عادي؛ إلا إذا انحرفت صورة حب الذات عن المنهج الإسلامي الذي يقوم هذا الشعور عند الإنسان حتى يتخلص من المحورية الذاتية.

لقد خلقنا الله – عز وجل – على فطرتنا وهي الإنسانية فيتصف أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه المثل الأعلى للإنسان الكامل (1)، فعلي (عليه السلام) حاول أن يرفع وينمي المجتمع الذي عاصر بالارتقاء والكمال؛ لكن العقول التي كانت معه كانت متحجرة ومغبرة فأعطيك أمثلة من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام):

العدل: والعدل لا يتحقق الا إذا نسي الإنسان ذاته وينزع الأنانية من نفسه، إذ حينما مسك أمير المؤمنين أمور الخلافة اعترض الكثير على عدله، فكيف يساوي بين الفقير والغني؟ والأنصاري والمهاجري؟ أو أن يضع واليًا على البصرة رجلًا فقير لا يملك ثمن شراء نعلين؟
ففي حلقة من حلقات مسلسل الإمام علي (2)؛ طلب أحدهم من مالك الأشتر أن يشتري قصر الكوفة – لجلوس الأمير في المسجد – فقال مالك له: “اسكت لا يسمعك أبو الحسن فإن سمعك حمل عليك بغرباله”.
فقال: “لا يقتل عليًا إلا عدله”.

الأخلاق: في الحروب الداخلية في عصر الأمير كان يعامل خصومه بالمروءة والأخلاق، فمثلًا عندما نشبت حرب صفين اشتعلت الأنانية في المعسكر الآخر فقطعوا الماء، ولكن عندما أصبح الماء بييدي معسكر الإمام فلم يمنعهم وخير شاهد من بعثه الأمير للمعسكر الآخر وهو صعصعة ابن صوحان العبدي القطيفي، فهم بأنانيتهم عزلوا الإمام وجعلوا يضعون المراسيم والقوانين وفق ما تنصاع إليه رغباتهم كـ(رفع المصاحف على الرماح، ووضع حكم مع أهل الشام.. إلخ) (3).

العلم: حاول أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يرفع من عقولهم وينير دروبهم بالعلم لإيصاله بالمستوى العلمي الأقرب لعقله (عليه السلام) إذ أنه باب العلم، فعلي (عليه السلام) له مناهج في الفلسفة والنحو والعلوم الطبيعية (كيمياء، فيزياء، أحياء) وعلم النفس والأجنة… إلخ (4)، لكن القوم الذين عاصروه كان بعضهم حمقى إذا يسألهم (عليه السلام) قائلًا: سلوني قبل أن تفقدوني!
فيقوم شخص ويسأله: يا أمير المؤمنين! كم شعرة في رأسي؟ (5).

فالأنانية هي أساس كل خطأ وذنب في الحياة كانت كـ(الغرور، والطمع، والبخل، والجشع، والشهوة.. إلخ) وهي التي أخرجت الإنسان من الجنة.

فالشخصية الأنانية يحب أن يكون في واجهة الأعمال المهمة والظهور في المجالات العامة بل يسعى لتسفيه آراء الآخرين واحتقار أعمالهم ووضع العقبات أمامهم للوصول إلى الانتقام والهدم.

قد يسألني شخص: ولماذا الانتقام؟
أجل، تنتقم منك الأنانية المزروعة داخله بحجة باهتة حاربها الإسلام سابقاً مثل:
(الخبرة الطويلة، الأكبر سنًا، المكانة الاجتماعية.. إلخ)، أعطيكم أمثلة من حياتي الواقعي:
التجربة الأولى: في يوم من الأيام الماطرة، خرجت بسيارتي لأجوب الشوارع والطرق و(الزرانيق)؛ نظرت لتلك البيوت التي أنهكها تعب المطر، ساءني ذلك المنظر وأوجع قلبي، لم أعلم ما يتوجب علي فعله لأخرج ذلك الحزن، سوى تكوينه على هيئة كلمات وجمل؛ كان مقصدي هو أن أبحث عن علاجات لمثل تلك الحالات؛ ولكن قابلني أحد الأشخاص بمقصد يختلف اختلاف الأرض عن السماء، وقال بأن علاقتك مع الله سيئة بكوني اعترضت على مشيئته.

كان مجمل مقصدي من المنشور هو أن الوقاحة من البشر عن طريق المطر.
فذلك يثبت أن البعض يريد إقناعك بأن لديه الأعلمية لمجرد كونه من طلاب العلم، فهل حقًا المكانة الاجتماعية تكسبك الأحقية..؟

التجربة الثانية: إحدى القريبات أرسلت لها وأنا في المستشفى برودكاست يخص موضوع البيئة الإيجابية، انهارت علي ببعض الكلمات وسفهت عملي بأنه “تافه”، أخبرتها ألا تحكم على أعمال الناس بهذه الطريقة؛ فأجابت: أنا لدي خبرة طويلة “تكفي وتوفي” وما شابه من كلمات، فذلك يثبت أن البعض يريد إقناعك بأن لديه الأعلمية لمجرد كونه من ذوي الخبرة “المحدودة”، فهل حقًا المكانة والخبرة تكسبك الأحقية..؟

التجربة الثالثة: في إحدى المرات تقدمت بشيء جديد وإبداعي ربما يغير حياتي وحيوات الكثير من الأشخاص، استمر انتظار النتيجة النهائية مدة أكثر من 4 أشهر، وبعد كثير من التأجيل والاعتذارات من أمراض أو انشغالات، جلست شعلة الأمل والانتظار لمدة 4 أشهر متفاجئًا بعدم القبول والانسحاب.

خاب ظني في تلك الشخصية الاجتماعية إلا أنه بعد أسئلة وتسأؤلات أجابني: أنت ما زلت صغيرًا في السن، أما نحن فقد تخطينا الـ40 عامًا!
فذلك يثبت أن البعض يريد إقناعك بأن لديه الأعلمية لمجرد كونه أكبر منك سنًا، فهل حقًا كونه الأكبر سنًا يعطى الأحقية..؟

لعل البعض يقول إنك تدعو لدين جديد، ولكن مولانا أمير المؤمنين أعطانا منظومة في كيفية الارتقاء بالنفس الإنسانية وذلك عن طريق «تهذيب النفس» لا يهم أكان شيخًا أو تاجرًا أو عالمًا أو أيًا كان؟ لعل الكثير يسألني مسلم إلى ماذا تطمح في تخصص الجامعة؟ فأجيب بأني أطمح إلى علم النفس، لأن الفقر يتناسب تناسبًا طرديًا مع الأمراض النفسية فيدمر أغلى ما يملك الإنسان وهو العقل فبتدمير العقل تتدمر أجيالٌ وأجيال وبالتالي تختفي المجتمعات، فبرأيكم هل يمكن للشخص الأناني أن يتحول لشخص إنساني؟!

المصادر:
(١) الإنسان الكامل للمطهري.
(٢) مسلسل الإمام علي ح21.
(٣) محاضرة للشيخ الوائلي.
(٤) الإعجاز العلمي للأمام علي.
(٥) بحار الأنوار ج44 الصفحة 258.


error: المحتوي محمي