لكل منجز أدبي، يختزل الكلمات في تكوين نسيج أدبي، يأخذ مجراه في الذائقة الأدبية بالنسبة للقارئ المتلقي، رموزه ومعانيه الضمنية، التي تأتي عبر درامية التراكيب اللفظية.
من هذه العملية بين الكاتب، والمسافة باتجاه القارئ، ثمة معانٍ، هذا ما سنتناوله في تأملنا الإصدار الثالث، الذي بزغ طيفه وأفقه مؤخرًا، للكاتبة أميرة الحوار، بعنوان “رماد وظل”، الصادر عن دار أطياف.
يأتي “رماد وظل” كعنوان من خلال ما يحمله من توافقية في المعنى، حيث جاء تعريف “رماد” في معجم المعاني الجامع، بأنه “اسم”، يطلق على ما تخلف من احتراق المواد، والظل “اسم”، يطلق على ما يستظل به من الحر، أو ما يستتر به من البرد.
إن المفردتين يكتنز كل منهما نقطة اشتراك، وإن كانتا تختلفان نوعًا ما، إلا ضمنيًا تشتركان، كيف ذلك؟
بداية، فإن كلمة “رماد” الشيء المتبقي من اشتعال الفحم، لينضج استمراريًا، ليخمد رمادًا في نهاية اشتعاله، يفتقد سمته الحرارية وفاعليته، إذًا بداية اشتعاله وذروته ونزوله لينطفئ، فاقدًا تلك السمة التي تعد من تركيبته الفعلية، في حين أن “الظل” فسحة، لاتقاء الحر أو البرد، وإنعاش الجسد من لظاه وشدة برودته.
تدرجت النصوص في توصيف حالة العشق الناتج عن تكاملية الحب باتجاه الطيف، حيث الحدود، تجيء ثيمته، نتيجة اللا إشباع له، ارتواء لحظاته، ليعود لهبه مجددًا، نجد أنها النصوص تُبحر في لحظة الاشتياق حينًا، والحرمان والابتعاد الشغوف أحيانًا أخرى.
إن المقدمة تأتي كإعلان ماهية النصوص وبوصلتها، بكونها تعبر عن هدفية ما نُسج من كلمات، جاء فيها: “رغم كون النصوص الأدبية تحكي سيرتي الأولى، “ظلت قطرة في بحر لجي، فمن رحيق الزهر، انسكب عطري فواحًا عبر كلماتي، حاولت أن أغرس أحرفي على القرطاس، أعبر عن خلجات صدري، وهمس مشاعري، تجولت، كرحالة بفكري وعقلي في جميع الأمكنة والأزمنة، وما هذه النصوص إلا جزء لا يتجزأ من كياني”.
من خلال ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الكتابة في الجانب العاطفي خف وميضها مؤخرًا في الساحة الأدبية، لدينا، أكانت أحرفها من العنصر الذكوري، أو تاء التأنيث، وعليه، يُحسب للكاتبة هذه الخطوة بفتح الشرفة، وارتشاف الضوء على اخضرار العشب وموسيقاه.
وكما ذكرنا آنفًا، فإن يراعها يُخبرنا أن النصوص بمثابة همس عاشقة، تبعثها الأشواق في شكل حكاية، والحكاية حين تأتي يسطرها القلب بنبضاته، تقول، مفتتحة إصدارها، في نصها “أشواق حائرة”:
أشواقي
همس الحكايا
عنوانها نبضات قلب
تتابع في ذات النص، بيان ماهية النصوص في مجملها، مواضيعها، التي أرادتها، تقول:
صفحتي البيضاء
أضفي عليها البهجة حينًا
والخيبات أحيانًا
أمارس من خلالها
هواياتي وطقوسي
وأعلن من خلالها
تمردي وجنوني
إن مفردات: هواياتي/ طقوسي/ تمردي/ جنوني، جدلًا، هي التكوين الفعلي لجسد الإصدار، وامتداد حيويته، وتوجهه، تبدأ الحالة في تلبية اشتهاء الكتابة، وممارسة الهواية، بكونها موهبة تمتلكها، ومع التوأمة والعلاقة مع اليراع، ليكون طقسًا لا مفر للكاتب منه، يعيشه في علاقة مستمرة، يبثه خلجاته، وتطلعاته، متمردًا على ذاته، يصهره الجنون، الجنون في الإصغاء لنداء الذات.
حقيقة، تأتي صور “رماد وظل” في جانبها البلاغي -الجمالي-، مفعم جدًا بالصور التي تبحر بالقارئ، ليتدخله التأمل، يغربلها جماليًا، فقد لا يخلو نص منها، تصاعديًا، ليكون إصدارًا ملهمًا، مستفزًا، وثمة فرق بين نص ملهم، وآخر مبدع “جميل”، تقنية الصياغة، وتعلقها بالحالة العاطفية، وانغراسها في الآنية، ليشعر القارئ بأن نبضات النص تتميز بالحياة، ليتأرجح بين تفاعلاتها.