يحتاج البعض مِنا مَن يُنهي له خدمات ويرفع له أو يرد عنه قضايا في الدوائر الرسمية، إما لانشغاله أو جهله بطريقة إنهائها، أو رغبة في الراحة أو للمروءة.
هناك من ينهي هذه الخدمات بمقابل مالي عن طريق مكتب مرخص أو منفردًا، ولا مشكلة في ذا وذاك إذا أنجزت الخدمة المطلوبة، ولكن ما يعاني منه الكثير هو احتيال وتحايل بعض مؤديها والمتطفلين عليها، يُبرزون أنفسهم وبواسطة سماسرة التضليل.
إنهم فرسان الساحة، لا يشق لهم غبار وإنهم نافذون، وقادرون على ما لا يقدر عليه الأوائل والأواخر، إلى أن تصدق قولهم، وتسلمهم الوثائق الثبوتية الرسمية المتعلقة بالمهمة والتي لا بديل عندك عنها، وإن احتفظت بصور لا تُغني عن الأصل شيئًا، تبوح لهم بأسرار لا يعلم بها المقربون، ولكن الحاجة أجبرتك.
تفتح لهم كل زوايا القضية المغلقة وتكشف خفاياها، وتدفع ما يطلبون مقابل خدمتهم مقدمًا وإن فاق المعتاد، وتوهم نفسك أنك ارتحت من عناء ما كان يُستراح منه لولا هؤلاء.
ولكن تُصدم بواقع مرير ما كنت تتوقعه أو له عندك حساب، هناك الصادق في عمله، ينهي ما اتُفق عليه دون الميل يمينًا أو شمالًا، وإن عَجِزَ رد ما أخذ من مستندات والأسرار نسيها، وأنتما وما اتفقتما عليه من أتعاب مادية قل أو كثر، هذا لا خلاف عليه.
الكلام حول المتلاعبين، وهم صنفان، الأول: يتابع موضوعك مرة ويتركه مرات، تطول المدة المتفق عليها مضاعفات لما حُدد لها بسبب إهماله، وأنت على صفيح ساخن، وبين مرحلة وأُخرى يطلب منك مالًا خارج الاتفاق بحجج يقنعك بها وهي غير صحيحة، لأنه يعرف بتكلفة ما يقوم به قبل اتفاقه معك، ولكن لا خيار لك لأنك وقعت بين الكماشتين؛ إما أن تسايره وأنت على أمل إنهاء المطلوب، ويكون أو لا يكون، لكن الأمل قائمًا، أو تنهي تعاملك معه، وما أخذه فات بدون إنجاز (ومدة تعطيل ربما سببت لك خسائر لا تطاق)، ويتعبك في رد وثائقك ويمكن أن يساومك بمبالغ لردها، أو لا يردها، البعض لا يكتفي، بل يطالب بالمزيد.
الثاني؛ من يأخذ منك المال والمستندات وما يراه مكسبًا من أسرارك، ولا يقدم لك المعاملة أو ينهي الخدمة المطلوبة، وكلما سألته أجابك كذبًا، وأنت كمن وضع قدرًا على موقد ظنًا أن تحته نار (وهو ليس كذلك)، وبين حين وآخر ينظر أعلاه أملًا أن يرى بخارًا يخرج منه ليكون عنده أمل بنضج ما فيه، ولكن خابت الظنون، كيف ينضج من غير نار؟
اتصل بي زميل مهنة مستعينًا، قائلًا إن جماعة محاصريه في بيته، لماذا؟ قال أخذ منهم خمسة وعشرين ألف ريال وكيلًا لرفع دعوى ضد خصم لأحدهم، وكلما سألوه أين وصل بالدعوى في المحكمة؟ كان يجيبهم كل مرة بمرحلة متقدمة عن المرة السابقة وأوهمهم أنها في مراحلها الأخيرة وأن الحكم لصالحهم لا محال، إلى أن تبين لهم أنه لم يرفع الدعوى من الأصل، وطلبوا منه إعادة المبلغ وأوراق ثبوت دعواهم المسلمة له، المبلغ صُرف ولا بديل عنه لفلسه، والمستندات فُقدت إما لعدم التحفظ عليها أو كَذَبَ لغاية في نفسه.
لهذا على كل طالب خدمة توخي الحذر بدقة والتأكد من الشخص قبل التعامل معه، ما هي سيرته التعاملية؟ هل هو من الجادين المخلصين في عمله؟ هل من أصحاب السوابق؟ هل له فهم وخبرة؟ هل هو أمين على أسرار تُعطى له ومستندات يحافظ عليها؟ هل يصدق بالرد فيما يُسأل عنه؟ خاصة في وضع المستندات التي لا بديل لها.
إذا لم تتأكد منه أو حتى وإن تأكدت، إذا سلمت له الوثائق، تأخذ منه ما يثبت أنه استلمها ويُبيّن ما هو الجزاء حال فقدها، أو تكون بيدك وأنت من يحضرها معه عند الجهة الطالبة، أكثر أمنًا وضمانًا للحفاظ عليها.
ولا تغريك مظاهر بعضهم من حلو الكلام والقول في الحلال والحرام، وفخامة المكتب وجمال أثاثه وروعة ترتيبه، وموقعه المميز، والتهريج بأنه يعرف فلانًا وفلانًا، أسماؤهم لامعة أو معروفة، كلها فِخاخٌ للتسويق والاصطياد.
أعود وأكرر وأقول؛ الحذر، الحذر.