أنظر بكثير من التقدير لخطوة بلدية القطيف الأخيرة في استجابتها للتعاون مع فرع الغرفة التجارية والصناعية بالقطيف، لاستعراض الفرص الاستثمارية التي طرحتها سابقًا والأخرى التي في طريقها للطرح، والتي آمل أن تستمر على هذا النهج ويكون نمطًا طبيعيًا في كل موسم وأن تكون مثل هذه اللقاءات خارج مبنى البلدية أيضًا.
أود هنا أن اركز بإجمال على أربعة نماذج فقط من (الفرص) الاستثمارية التي طرحتها البلدية؛ للتعرف على الأسس التي تتبعها البلدية في طرحها لهذه الفرص، التي أرى أنه يشوبها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. وهي تكشف عن مدى الحاجة الماسة للاستعانة ببيوت الخبرة لتجنب حالة الارتجال ولترشيد مفهوم الاستثمارات البلدية لدي بلدية القطيف، وألا يطغى الاستثمار البلدي على الدور الأساس والخدمات الأساسية للبلدية.
النموذج الأول لهذه الفرص هو طرح البلدية للعديد من الفرص الاستثمارية على امتداد كورنيش القطيف، لكن دون مراعاة للكثير من المعايير البيئية والجمالية التي يجب مراعاتها عند القيام بأي أعمال إنشائية على امتداد الكورنيش. وهنا نسجل نقطتين، الأولى: أن كورنيش القطيف هو في الأصل مصمم بشكل ضيق لا يتناسب مع عدد سكان منطقة القطيف نفسها، فضلًا عن نسبة النمو السكاني بها، وأزعم أن سبب ذلك يرجع إلى النظرة الضيقة تجاه القطيف، فرغم أن كورنيش القطيف هو امتداد طبيعي ودون أي فاصل بينه وبين كورنيش الدمام وهما تلقائياً يمكنهما أن يتخادمان، إلا أن هذه النظرة الضيقة فقط -وليس شيء آخر- فصلت وجعلت الفارق العرضي بينهما كبيرًا، مما جعل إقامة أي مشروع إنشائي على امتداد كورنيش القطيف يعتبر مؤثرًا سلبًا على كورنيش القطيف من حيث المساحة والرؤية للبحر.
النقطة الثانية: ومن خلال العرض الذي قدمته بلدية القطيف بشأن الفرص الاستثمارية على الكورنيش، قدمت نماذج استثمارية تتطلب دفنًا لأجزاء إضافية من البحر –نظرا لضيق الكورنيش كما أسلفنا- لإقامة هذه الفرص الاستثمارية! وهذا وإن كان ضمنيًا يتضمن قيام المستثمر بعملية الدفن هذه كما أوضح ممثل البلدية، إلا أنه -وهذا الأخطر- يتضمن أيضًا أن للبلدية الحق في دفن أجزاء إضافية من البحر لأجل فقط نظرتها الاستثمارية وكأن البحر جزء من ممتلكاتها تتصرف بها كيفما تشاء!
النموذج الثاني: هو طرح البلدية فرصًا للاستثمار في الحدائق البلدية، وهذا شيء أراه في قمة الغرابة، ففي الوقت الذي تعاني منه القطيف من شح في الحدائق العامة والمسطحات الخضراء، وعدم تقديم البلدية حتى الآن أي معلومات تفصيلية عن الحدائق 153 التي تدعي أنها أنشأتها في القطيف ولا حتى أسمائها، تتحدث البلدية اليوم عن طرح فرص استثمارية في الحدائق! من يستمع لممثل البلدية في حديثه عن الفرص الاستثمارية في الحدائق، حتماً سيتوقع أن الخطوة التالية ربما هي وضع رسوم على استخدام الشوراع البلدية.
النموذج الثالث: استعراض البلدية لفرصة استثمارية للمنطقة المحيطة بجسر الأوجام، وهي عبارة عن حرم للجسر، وعادة ما تستغل البلديات في المملكة بزراعة حرم الجسور وتجميله بالمجسمات والإضاءة المناسبة، ليكون بوابة وعلامة للمدينة، ولكن يبدو أن لبلدية القطيف إستراتيجية أستثمارية تعلو على أي اعتبار آخر.
النموذج الرابع: تتعامل البلدية أيضًا مع المواقع الأثرية بطريقة لا تفرق فيها بين الموقع الآثري أو التاريخي وبين غيره من المواقع العادية، ليس على مستوى الاستثمار، بل في كل شيء تقريبًا، فقد طرحت البلدية مشروعًا لاستثمار موقع تاريخي مهم وهو موقع حمام باشا الملاصق لقصر تاروت التاريخي، حيث دفنت البلدية هذا المعلم التاريخي المهم وأقامت مكانه بركة -تحجب جزءًا من رؤية القصر التاريخي- ثم أغلقتها وهي الآن تعرضها للاستثمار.
هذه الطريقة التي تعاملت بها البلدية مع حمام باشا التاريخي لا تختلف عن طريقة تعاملها مع توسعة شارع الملك عبدالعزيز بالقطيف، الذي يقع على جانبه الأيمن شريط من المباني التراثية التاريخية التي مازالت تقاوم للبقاء وتختزن الأهالي عاطفة جياشة تجاهها.
إنني في الوقت الذي أرجو وأتوسل أن يظهر من البلدية إيضاح حول هذه الملاحظات، والتي أرجو أن أكون مخطئًا فيها، فإنني أدعو البلدية لقراءة تقرير حالة المدن السعودية 2018 الذي أصدرته مشكورة وزارة الشؤون البلدية والقروية بالتعاون مع مستقبل المدن السعودية، فإنني أدعوها أيضًا وبشدة للتركيز على الصور الفوتوغرافية للمشاريع المنفذة في مدن المملكة والموجودة في التقرير، سواء صور المشاريع التي احتضنتها المدن الساحلية أو الداخلية، ففيها الكثير مما كنا وما زلنا نتحدث عنه.