الكذب والخيانة

الكذب والخيانة وجهان لعملة واحدة، وإنه لمن المؤسف جدًا أن تبحث عن الصدق في عصر انتشر فيه الخيانة والغدر، وأصعب شيء على هذه الأرض هو أن يُخلِص الإنسان ويكون وفيًا لشخصٍ ما بينما يجد منه بالمقابل غدره وخيانته، ولهوَ شعور قاتل كالسَّهم الذي يُغرز في أعماق القلب أو كالسم الذي يخطف الروح خصوصًا للإنسان المخلص الذي عُرِف بوفائِه، وفي الواقع الإنسان المخلص لا يعرف كيف يتعامل مع الأشخاص المتمرسين في الكذب والخداع فيقف متحيرًا أمامهم.

سأتحدث أولًا عن الكذب وآثاره الوخيمة وهو أن يقول الإنسان ما يخالف الحقيقة مع علمه بها وهو نقيض للصدق، إن الكذب عملٌ محرم وغير مقبول سواءً في مقام الجد أو في مقام الهزل، وكذب اللسان هو أن يقول الشخص ما لم يقل أو أن يقول ولا يفعل وكذب القلب هو أن يعقد ولا يفعل، إن الكذب من أسوأ الصفات التي تنفر عن الإنسان صديقه أو حبيبه، ولقد جاء التحذير من الكذب في القرآن الكريم بشكلٍ واضحٍ ومباشر في قول الله تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ»، ويُقال إن المنحطُّين هم بحاجة إلى الكذب لأنه أحد شروط بقائهم واستمرارهم في المجتمع، وبالرغم من تعدد الجراح التي تؤذي المشاعر إلا أن الكذب دائمًا ما يكون مؤلمًا ومتعبًا في ذات الوقت خصوصًا عندما يصدر من أشخاص ارتبطنا بهم بدرجة عميقة من الصدق والعطاء.

آثار الكذب على النفس البشرية كثيرة سواء في الدنيا أو في الآخرة ومنها ذهاب بهاء المرء فعن أبي عبدالله (ع) قال: «قَال عِيسى بْنُ مَرْيَمَ: مَنْ كَثُرَ كِذْبُهُ ذَهَبَ بَهاؤُهُ»، والنفاق كذلك من آثار الكذب السيئة كما روي عن أمير المؤمنين (ع): «الكذب يؤدي إلى النفاق»، أيضًا حرمان المرء من صلاة الليل؛ فعن الإمام الصادق (ع): «إنّ الرجُلَ لَيَكذِبُ الكِذبَةَ فَيُحرَمُ بها صَلاةَ اللَّيل»، ونقص الرزق كذلك من الآثار الدنيوية للكذب؛ فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: «الكذب ينقص الرزق»، ولينتج الفقر من كثرة الكذب كما قال الإمام علي (ع): «اعتياد الكذب يورث الفقر»، وبالكذب أيضًا يسوّد الوجه كما رُوِي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله):«إنّ الكذبَ يُسَوّدُ الوَجهَ».

وروايات أهل البيت (ع) عن الكذب كثيرة منها:

– عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك به مصدِّق، وأنت له به كاذب».
– عن الإمام علي (عليه السلام) قال: «لا يجد العبد طعم الإِيمان حتّى يترك الكذب هزلة وجدّه».
– عن الإمام السجاد (عليه السلام): «اتّقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كلّ جدٍّ وهزل، فإنّ الرّجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير».
– عن الإمام العسكري (ع): «جعلت الخبائث كلّها في بيت وجعل مفتاحها الكذب».

أما الخيانة وهي انتهاك أو خرق لعهد مفترض أو للأمانة أو للثقة وتحصل عند نقض ما تم الاتفاق عليه مسبقًا بين الطرفين، فالخيانة هي ضد الأمانة وهي من الأعمال المقبوحة عقلًا وشرعًا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليس منا من أخلف بالأمانة»، وقال (صلى الله عليه وآله): «أداء الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر»، وعن الرضا (ع) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كان مسلمًا فلا يمكر ولا يخدع، فإني سمعت جبرائيل يقول: «إن المكر والخديعة في النار». ثم قال: «ليس منا من غش مسلمًا، وليس منا من خان مؤمنًا».

إن قلمي ليعجز عن التعبير عن الخيانة فهي سلوكٌ وضيع وغير مرغوب به في المجتمع فمن الصعب أن نتصور أن هناك أناسًا لهم تلك القدرة الخرافية على المشي فوق قلوب الآخرين دون الشعور بالذنب، فترى الخائن يختلق لنفسه ألف عذر وعذر ليقنع نفسه بأنّه فعل الصّواب، وأعظم خيانة ممكن أن تحصل قد تكون من أقرب الناس كصديقٍ أو حبيب، ويُعبَّر عنها بأنها مثل الهزيمة لشخصٍ قد غُدِر من دون قتالٍ أو حرب، وقال الله (عز وجل) في الخيانة: «إنّ الله لا يحب من كان خوّانًا أثيمًا»، وقوله تعالى: «إن الله لا يحب كلَّ خوّانٍ كَفُورٍ»، وقوله تعالى: «إن الله لا يهدي كيد الخائنين».

ماذا قيل أيضًا في الخيانة؟

– كله يهون إلّا الضحك على الدقون.
– من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلبٌ خائن.
– أبو بكر الصديق: “أصدق الصدق الأمانة وأكذب الكذب الخيانة”.
– جون هارينغتون: “الخيانة لا تزدهر؛ لأنها إذا ازدهرت فلن يجرؤ أحد على تسميتها خيانة”.
– وليم شكسبير: “في الحب تخلص المرأة لعجزها عن الخيانة أما الرجل فيخلص لأنه تعب من الخيانة”.


error: المحتوي محمي