التربية بالحب درس رضوي

ورد في سيرة الإمام الرضا (ع) أنه كان ينادي و يشير إلى ابنه الإمام الجواد (ع) من خلال تكنيته بأبي جعفر، فيقول (ع): “كتب إليَّ أبو جعفر، أو كتبتُ إلى أبي جعفر”، فما هي الدلالات التي يمكننا أن نستقيها من هذا الدرس التربوي الذي يبثه لنا الإمام الرضا؟

هذه ومضة تربوية من المنهج الأسري الذي ينبغي أن تكون عليه علاقات الأفراد، ومنها علاقة الآباء مع أبنائهم، والمناداة بالتكنية تندرج تحت إطار التربية بالحب، وعمادها أن تتم عملية التوجيه والإرشاد نحو القيم والآداب وتنمية القدرات في أجواء تشبع الطفل بالحنان والحب، فهذا ما يعزز مبدأ الثقة بالنفس وروح الكرامة، وينمي عنده الشعور بمستقبل واعد ينتظره إن تحمل المسئولية.

والمقبولية والمحبة التي يحظى بها في محيط أسري آمن يستشعرها من نداء التكنية، والذي يكتنف معاني الاحترام والتقدير وتكريمه، فليس هناك تصرف تربوي خاطئ في التعامل مع الطفل يضعف شخصيته كتجاهل وجوده ومشاعره أو تعنيفه، إذ يصيبه بالاضطراب ويهز ثقته بنفسه ويحرمه من الشعور بالأمان الأسري والاستظلال بحب الوالدين له.

أما تكنيته فتربية تسير به نحو رفعة الشأن، وإشعاره بالتأهيل لمرحلة الرجولة القادمة بإعطائه إشعاعًا تشجيعيًا وتعزيزيًا نحو النجاح بتكنيته، يعد استعدادًا وتهيئة نفسيًا واجتماعيًا لملاحظة سلوكه وكلامه، فيرتقي به نحو تجنب كل ما يستقبح ويعاب فعله.

وهذا لا يعني – بالطبع – إلغاء طفولته والقفز به نحو مرحلة النضوج (حرق المراحل)، ولكنه تأهيل لمرحلة تحمل المسئولية دون حرمانه من إشباع جانب الترويح واللعب عنده وممارسته في وقت كافٍ ومناسب، ولكنه تنمية لروح الذكاء العقلي والاجتماعي واللغوي عنده منذ الصغر، فيتمرس على طريقة الحديث والتفكير والتعامل وكأنه يتحدث دائمًا مع من هو أكبر منه سنًا.

تكنية الطفل عامل مهم في زرع الثقة بالنفس وإلفات نظره لما يمتلكه من قدرات متنوعة، يمكنه من خلالها البحث عما يثبت وجوده وإمكانياته، فشتان ما بين حياة اللهو واللعب المستغرق لوقت الطفل، والذي يغلق مداركه الفكرية عن التنمية والانفتاح على البيئة من حوله استكشافًا وبحثًا، وما بين طفل منحته أسرته الثقة به وفتحت له آفاق المعرفة والممارسة.

وبلا شك أن بداية المشوار الطويل هو إشباع عاطفي يغمره، وكانت تكنيته مفردة مهمة في بث أحاسيس الأمان والارتياح في نفسه، وباعثًا نحو إثبات جدارته وقدرته على المنافسة، فقد يرى البعض أن الرابطة بين تكنية الطفل وتلك النتائج الإيجابية فيه شيء من المبالغة، والحقيقة أننا لا نقول إن مجرد تكنيته سيفتح خزائن الآثار، بل هي فتح لباب العلاقة العاطفية الناجحة، والتي تستمد من هذا العطاء تشجيعًا للانطلاق نحو تنمية المهارات والانطلاق في فضاء تنمية شخصيته.

فهذه العلاقة التقديرية لشخصيته والمحيطة له بالحنان، تنتظر من هذا الطفل ثمار جهوده المبذولة وتحفزه نحو بذل الجهد بهمة عالية لتحقيق مراده والوصول إلى النجاح، فكل جهد يبذله يلاقى بالتعزيز والتشجيع لعطاء أكثر، كما أن تساؤلاته وأفكاره تلقى كل ترحيب فيصغي الوالدان لما يقوله، ويحاورانه حول كل أمر أو توجيه بعيدًا عن التعنيف بكل أشكاله.


error: المحتوي محمي