الإرهاب الاقتصادي العالمي

خلف الأزمة الماليّة العالمية، أزمة نظام رأسمالي عجوز (متهالك).
لكن لا يكفي لفت الانتباه إلى الانهيار المالي العالمي، فخلفه، ترتسم أزمة في الاقتصاد الحقيقي، لأن الانحراف المالي نفسه، سيؤدّي إلى شلل النمو والبنية الإنتاجيّة؛ فالحلول المقدّمة للأزمة المالية العالمية، لا تستطيع إلا أن تؤدي إلى أزمة في الاقتصاد الحقيقي، أو بكلام آخر، إلى ركود نسبي في الإنتاج، مع ما سيتسبب به ذلك من تراجع مداخيل العمال وارتفاع في نسب البطالة، والمزيد من الهشاشة الاجتماعية وتعميق الفقر في دول الجنوب. بات علينا اليوم الكلام عن انهيار لا عن نمو. وخلف هذه الأزمة، تتبلور بدورها الأزمة البنيوية النظامية للرأسمالية – المفكر الاقتصادي د. سمير أمين.

وفقاً للمعطيات الاقتصادية إنّ حجم التبادلات الماليّة هو ألفا تريليون دولار، فيما البنية الإنتاجيّة، وإجمالي الناتج الوطني على الصعيد العالمي هو فقط 44 تريليون دولار وهو ما يعكس التفاوت الصارخ بين الرأسمال المالي (الرمزي) والرأسمال الإنتاجي (الفعلي).

على صعيد آخر، منظمة التجارة العالمية التي أعلن عن قيامها في الرباط عام 1994 كتتويج وتطوير للاتفاقية الدولية للتعرفة الجمركية المعروفة بالجات، مثلت مرحلة نوعية مهمة في إطار العولمة من خلال التشريع والأنظمة والقوانين التي تجيز حرية انتقال السلع والمال والخدمات والتي تستفيد منها في المقام الأول الدول الصناعية المتطورة التي تستأثر بأكثر من 80 % من حجم التجارة العالمية، علماً بأن سكان هذه المجموعة يشكلون 20 % فقط من عدد السكان في العالم. وتشير مصادر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن مجموعة البلاد الأكثر تخلفاً والتي يمثل عدد سكانها حوالي 10 % من إجمالي سكان العالم. فإن نصيبها من التجارة العالمية لا يتجاوز 0.4 % وأنها تعرضت لخسائر تراكمية في شروط تبادلها التجاري بلغت 290 بليون دولار خلال الفترة 1980 – 1991م. أما الترويج لأسطورة تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلدان النامية، فإن الواقع يقول بغير ذلك حيث إن أكثر من 90 % من حركة الاستثمارات الأجنبية في العالم تتم بين المراكز الاقتصادية الكبرى، وهي بالتحديد الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين، ويذكر أن نسبة 10 % المتبقية يذهب جلها إلى دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.

وتبرز المديونية المتفاقمة كأحد العوامل الرئيسية لتخلف وتبعية العالم الثالث، حيث ارتفع رصيد ديون البلاد النامية من 603 بلايين دولار في سنة 1980م إلى 2172 بليون دولار في عام 1997 وفي المقابل فإن معونات التنمية التي تخصصها الدول الصناعية المتطورة لدعم الدول النامية شهدت انخفاضاً مستمراً، حيث لا تزيد نسبتها عن 0.25 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 1996م. أما الولايات المتحدة فقد بلغت حصتها 0.12 % فقط من ناتجها الإجمالي.

ومع أن القطاع الزراعي يمثل أكثر من 56 % من إجمالي الناتج القومي في البلاد النامية، إلا أن أسعار سلعها الزراعية قد تدهورت نتيجة تدني الإنتاجية مقارنة بالإنتاجية المتطورة في البلدان الصناعية، حيث تصل النسبة إلى 1 للبلدان النامية مقابل 10 للبلدان المتطورة، إضافة إلى الدعم المقدم من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي (التي تسيطر على الصادرات الغذائية في العالم) للمزارعين والتي تبلغ نصف قيمة المنتجات الزراعية في كل منها.
لقد نصت الاتفاقية الخاصة بتحرير تجارة الخدمات، مثل البنوك وشركات الاستثمار والتأمين والنقل، والاتصالات والمقاولات على تعميم الدولة الأولى بالرعاية وحرية الوصول إلى الأسواق.

ويذكر أن قطاع الخدمات أصبح يمثل الموقع الأول للدخل القومي في البلدان الصناعية المتطورة، كما قضت دورة أورجواي للجات على إدراج موضوع حماية الملكية التي تشمل الملكية الفكرية من حقوق التأليف والنشر مروراً ببراءة الاختراع والعلامات التجارية والابتكار وانتهاء بالصحة وتصنيع الدواء وهو ما يمنع الدول الفقيرة من فرص استخدامها في مجالاتها التنموية والعلمية والصحية، وفي الوقت نفسه فإن الدول الصناعية تضع العديد من العراقيل الحمائية والجمركية، أمام الواردات الرئيسية من الدول النامية كالمنسوجات والسلع الزراعية، والصناعات البتروكيماوية والنفط، وتقدم الدعم المباشر للمزارعين تصل إلى حوالي نصف قيمة المنتجات الزراعية وخطورة المسألة تنبع من أن الدول النامية تعتمد على الزراعة كمصدر دخل رئيسي 60 %. كما أن هناك حوالي 88 بلداً نامياً ينفق حوالي نصف النقد الأجنبي في استيراد الغذاء للحديث صلة.

الجزيرة


error: المحتوي محمي