لماذا الحاجة إلى أسواق النفع العام؟

في الثمانينات، كانت المكاتب العقارية في المملكة هي منصة تداول الأسهم المحلية، ففيها تخضع أسعار بيع وشراء الأسهم تبعًا لوكالة “يقولون” وغيرها من المؤثرات على الأسعار، لكن ومع مرور الزمن وصلنا لمرحلة متقدمة من التطور التقني والأنظمة الرقابية والاعتراف الدولي بأسواق الأسهم السعودية.

أحببت البدء بهذه المقدمة كمدخل للحديث والمقارنة -قدر المستطاع- مع أسواق النفع العام، فللأسواق عمومًا وأسواق النفع العام خصوصًا أهميتها الاجتماعية والاقتصادية لكل الناس، وليس لفئة معينة، وفي أي مدينة ودولة.

لكن يمكننا فهم طبيعة عمل أسواق النفع العام باعتبارها تجمعًا مهمًا للأعمال والوظائف المختلفة السهلة غير المعقدة، ولا تحتاج لكثير من التأهيل أو المتطلبات النظامية، وميزتها أن تبقى كذلك، وهي أيضًا أداة مهمة وسهلة للرقابة الذاتية والبلدية على مستوى الجودة والنظافة والأسعار، فلأسواق النفع العام القدرة السحرية على ضبط الأسعار عند مستويات مقبولة وتمنع الاحتكار أو التلاعب بها، خصوصًا في ظل وجود أعداد جيدة من التجار والباعة.

وهناك ميزة اجتماعية مهمة توفرها أسواق النفع العام، فهي أيضًا نقطة مهمة للالتقاء الناس ببعضهم البعض في مثل النادي الذي يضم جميع فئات المجتمع تقريبًا ويشاهد الناس بعضهم البعض، خصوصًا في ظل غياب الساحات والميادين العامة التي تحقق مثل هذه الأجواء.

في القطيف، كانت أسواق النفع العام منتشرة ويُنظر لها بأهمية كبيرة، فقد كان في القطيف بالإضافة لأسواق الخضار والأسماك، كان هناك سوق خاصة باللحوم الدواجن، بالإضافة إلى سوق الخميس وسوق (أو تجمع) للذهب وآخر للعقار وهكذا، أما الآن فإن الوضع ليس في أحسن حالاته.

في القطيف أيضًا ومع وجود سوق للسمك -للبيع بالجملة- ذات الأهمية الكبيرة على مستوى المملكة والخليج، يمنح وجود هذه السوق في القطيف فرصة ثمينة لدعم وضمان الجدوى الاقتصادية لإنشاء سوق جملة للخضار والفواكه، حيث يمكن لوجود السوقين معًا في القطيف أن يضيف ميزة إضافية لكلا السوقين لا تتمتع بها أسواق الجملة بالمحافظات الأخرى، كذلك وجود المنتجات الزراعية المحلية الموسمية في القطيف وموقع المحافظة نفسه الأقرب والأسهل لخدمة المحافظات الشمالية خصوصًا.

كل هذه الميزات يمكنها أن تضيف أفضلية مهمة غير موجودة في أسواق النفع العام التي بالدمام على سبيل المثال، إضافة لذلك، فإن إنتاج وظائف داخل المحافظة نفسها من خلال أسواق النفع العام وانعكاس ذلك إيجابيًا على أكثر من صعيد بما فيها الإيرادات البلدية، هو أيضًا من أهم الأهداف التي يجب ألا تغيب عن ذهن المخطط البلدي، لذا أرى أن إدارة الاستثمار وقسم الدراسات في بلدية القطيف هما الأكثر تأهيلًا للإجابة والتفاعل الإيجابي مع هذه النقاط.

لعل السؤال الأهم ليس لماذا نحتاج إلى أسواق النفع العام، بل الانتقال لمرحلة؛ كيف ننشئ أسواق النفع العام -جملة ومفرد- لتلبية حاجاتنا الاجتماعية والاقتصادية الحالية والمستقبلية للمحافظة؟

أسواق النفع العام يجب أن يُتعامل معها أولًا على أساس أنها حق من حقوق الناس، فهي إحدى الركائز التي تحمي وتعزز قدراتهم الشرائية للسلع الأساسية، كما أنها تخلق وتحقق لهم عددًا مهمًا من الفرص التجارية والوظيفة لفئات مهمة من المجتمع، لذا فإن إنشاء هذه الأسواق وتنميتها والمحافظة عليها يجب النظر إليه باعتباره هدفًا تنمويًا رئيسًا وليس فقط باعتبارها مشروعًا تجاريًا يدر الأرباح للبلدية.


error: المحتوي محمي