ورد عن الإمام الحسين (ع): “البخيل من بخل بالسَّلام”، (تحف العقول ص ٥٥٠).
هل يعاني أنصار الإمام الحسين (ع) ومحبوه والسائرون على نهجه في كل زمان من جفاف عاطفي وذكاء اجتماعي، يمنعهم من التواصل الإيجابي وإقامة العلاقة الناجحة، أم أنهم يمتلكون أدوات وأساليب التودد وإزالة الحواجز والجاذبية؟
يلفت الإمام الحسين (ع) إلى عامل نفسي ينبئ عن قلب لا يحمل حقدًا على أحد، ولا يتأثر بالخلاف البسيط أو النقاشات المحتدة في بعض الأحيان، بل يبقى محافظًا على جسر المودة وإزالة الرواسب السلبية، ويعطي إشارة إيجابية للآخرين بأن لهم الأمان والطمأنينة من مد سنان العداوة والحقد والخداع لغيره، فقلبه الأبيض الطيب يعبر عن نقاوته وصفائه وأريحيته في اللقاءات، فيبادر إلى مد جسور التواصل المبني على الاحترام مهما كانت الفواصل العقائدية أو الطبقية أو الثقافية تباين بينهم.
ويشير الإمام الحسين (ع) للبخيل بالسلام، والذي يفتقد التخطيط (استراتيجية) الاجتماعي الراسي لعلاقات مستقرة وناجحة تحفظ له مكانته بين الناس وتقبلهم لوجوده لا أقل، في أدنى حدوده وهو حفظ اللقاءات بعيدًا عن إرهاصات التجاهل والحقد الأعمى، فيبادر بإلقاء تحية الإسلام والأمان الاجتماعي، لعله يفهم يومًا مدى الخسارة الحائقة به.
وهذا التعبير بالبخل له وجهه وسره، وذلك أن شح النفس الباعث على منع العطاء بكل ألوانه المادية والوجدانية واللفظية، هو تقوقع الفرد حول ذاته وتأليهها، إذ يرى لنفسه موقعية ومكانة أعلى من غيره، وذلك لتمتعه بمستوى علمي أو مكانة اجتماعية مرموقة، وقد يكون تقوقعه حول ذاته هو لا مبالاته بالمحيط الاجتماعي، فلا يراعي إرساء العلاقة معهم ولا يبدي أي أهمية لذلك، ولا يتأثر لما يحدث من مجافاته للغير أو نفورهم منه.
وقد يكون تقوقعه حول ذاته لافتقاره لأبجديات سبك المحبة والاحترام مع الآخرين وتشييد علاقات قوية معهم قائمة على محبتهم له، ولن يجد مرسال محبة وجاذبية كالسلام ينبئ غيره بتقديره لشخصيته واهتمامه بالتواصل الإيجابي معه.
وتعبير الإمام عن الشح بالسلام كمرض يشير إلى خلل نفسي في تركيبة هذا الإنسان، وعليه بعد استيعاب هذه الموعظة أن يعيد حساباته، ولا يفوت هذه الفرصة السانحة التي تزرع الاحترام عند الشخصيات المتألقة، فهي لا تكلفه شيئًا من ماله أو جهده أو وقته، بل لحظات تعود عليه بمكتسبات دائمة، فلا يترك القليل العائد عليه بفيض كبير إلا من تغلغل البخل فيه.