العواري

كثيرٌ هي العواري في الحياة، المالُ والأبناء والجاهُ والسُلطة والعافية والأمن. يهبها الربُّ لنا بعقدٍ منقطع كُتب فيه هيَ لكم بهذه الشروط وهذهِ المدة. يخفي الربُّ في أوراق الملكية بين تلالِ وهضابِ الأيام مراجعاتٍ تبدو لنا شرطًا جديدًا لكنها فقط خفيت علينا نحن البشر.

يأتي يومٌ يقول لنا الرب:ُّ هاتوا الودائعَ؛ من أعطيناهُ المالَ يعيده للصندوق ومن وهبناهُ القوةَ يستبدلها بعصا ومن أعطيناهُ الجاهَ والسُلطةَ هناك في صفوفِ البشر من ينتظرها ولا شرطَ أن يستحقها. اختفاءُ العواري يؤلمنا ونعده نقمةً لكنها دورةُ الحياة. هناكَ شخصٌ غيرنا غنيٌّ وهناك شخصٌ استجدَّ في العافية وهناك عرشٌ عليه آمرٌ وناهٍ آخرَ في الحياة.

يمكننا أن نخففَ من ألمِ اختفاء العواري، هي مثل القرش الأسودِ لليوم الأبيض. من يودع مالًا عند غيرهِ من الناسِ الذي كان يحتاجه يأتيهِ ذلك المال مرةً أخرى ومن مدَّ يدَ العونِ لمن كان في ضعفٍ تأتيه اليدُ عندما يكون في العاصفة ومن أعزَّ الناسَ في الجاهِ يأتيه العزُّ إذا أرادَ الذلُّ أن يضربَ أطنابهُ قربَ داره.

لا ضمانةَ في الحياةَ أن تدومَ ويأتي يومٌ يَسترد صاحبُ العاريةِ ما وهب لكن الرب يخفف عنا ألمَ تجريدنَا من تلك الهباتِ إذا نحن في دروبِ الحياة أودعنا هباتٍ في صناديقِ غيرنا عندما احتاجوها. نحن البشر ضعفاء كلنا ونظن أن ما نودعه عند الناسِ لابدَّ أن يعطينا إياه الربٌّ مضاعفًا في أيامٍ أو سنين لكن خازنَ المصرفِ يعرف متى نحتاجه وربما أعطانا إياه في يومٍ نحن لا نحتاج سواه ولكن ليس هنا!

يطول بقاءُ العارية ونظن أننا ملكناها، حينها تقولُ لنا الأيامُ: أيها البسطاءُ لا تكونوا سُخفاءَ العقول، الحياةُ كلها عارية، لا يملك الكلَّ من لا يملك البعض. تحتالونَ في الحفاظِ على ودائعِ المالِ بالبخل ويذهب، تحتالونَ على ودائعِ العافيةِ بالراحةِ ويسلبها المرضُ والتعب، تحتالونَ على ودائعِ الأمنِ بالحربِ ويهجركمْ السلمُ والنوم، إذاً كيف تحتالونَ على ودائعِ الحياة؟

إذا أنتم داعبتمْ تموجاتِ شعور أطفالكم الليلة قبلَ النومِ وقرأتم لهم شيئًا من فصولِ الحياة ورَبَتَّم على أكتافهم ليناموا ملءَ أجفانهم، ضعوا أيديكم على رؤوسكم وقولوا: شكرًا لك أيها الإله على العاريةِ التامة، لو شئتَ سلبتها أو لم تعطها إيانًا. كم تساور غيركم همومٌ كيفَ سوفَ يكون الغد من الصحةِ والخبز وخنادقِ الحربِ في عالمنا الذي يُباع فيهِ المرءُ ويُشترى!

هل من قارئٍ في ملكوتِ الرب:
﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾.

هل اهتز كيانك من يا من يملك الوجدان، كم هو موحشٌ استعادة الديون والعواري!


error: المحتوي محمي