عُرِف الإمام علي بن الحسين عليه السلام بين الخاصة والعامة بغزارة العلم، وسعة المعرفة والفكر، وقوة الدليل والحجة، ولا غرابة في ذلك؛ فهو معدن العلم، ووارث الحكمة، وينبوع المعرفة، فشاع صيته في الآفاق، وأصبح ملء السمع والبصر، ومقصد العلماء والفقهاء والرواة والمحدثين.
وقد ترك الإمام للأمة الإسلامية، بل والإنسانية جمعاء؛ مجموعة من الآثار العلمية والذخائر النفيسة التي تدل على مكانته العلمية، وغرازة معارفه وعلومه، وقد حفظت لنا كتب الحديث والتاريخ والسيرة مجموعة من تلك الآثار العلمية المهمة وهي:
1- الصحيفة السجادية الكاملة:
وتضم المجموعة الكاملة لأدعية الإمام السجاد عليه السلام ومناجاته، وقد أصبحت من الكتب المشهورة والمتداولة بين المسلمين، وحظيت باهتمام العلماء والباحثين، وقاموا بدراستها وشرحها، والاستفادة مما احتوته من معارف وعلوم.
وتعد الصحيفة السجادية من أبرز الآثار العلمية للإمام التي تدل على عمقه العلمي وتمتعه بالفصاحة والبلاغة والبيان؛ وتعد بحق جامعة للأدب العربي الفصيح، وتأتي بعد “نهج البلاغة” من حيث القيمة البلاغية لها.
ولم تقتصر الصحيفة السجادية على المناجاة والدعاء والتضرع والخشوع لله تعالى وحسب؛ وإنما تشتمل أيضًا على كنوز من العلوم والمعارف الإسلامية بما احتوته من المسائل والقضايا العقائدية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية وغيرها.
ومما يدل على أهمية ونفاسة الصحيفة السجادية؛ ما كتب عنها من عشرات الشروح لها، وقد أحصى المحقق الكبير (آغا بزرك الطهراني) في كتابه القيم “الذريعة إلى تصانيف الشيعة” مئة وخمسين شرحًا لها، كما تمت ترجمتها بعدة لغات عالمية [1].
وتتضمن الصحيفة السجادية معاني ودلالات تربوية مهمة، كما تضمنت إرشادات أخلاقية وسلوكية وروحية لتربية الإنسان على الفضائل النفسية والكمالات المعنوية.
وتحتوي الصحيفة السجادية الكاملة على أكثر من سبعين دعاء، وعناوينها هي:
1ـ التحميد لله تعالى 2ـ الصلاة على الرسول 3ـ الصلاة على حملة العرش 4 ـ الصلاة على أتباع الرسل 5 ـ دعاؤه لنفسه وخاصته 6ـ دعاؤه عند الصباح والمساء 7ـ دعاؤه في المهمات 8 ـ دعاؤه في الاستعاذة 9ـ دعاؤه في طلب المغفرة 10ـ دعاؤه في اللجوء إلى الله، 11ـ دعاؤه بخواتيم الخير 12ـ دعاؤه في الاعتراف 13ـ دعاؤه في طلب الحوائج 14ـ دعاؤه في الظلامات 15ـ دعاؤه عند المرض 16ـ دعاؤه في الاستقالة 17ـ دعاؤه على الشيطان 18ـ دعاؤه في المحذورات 19ـ دعاؤه في الاستسقاء 20ـ دعاؤه في مكارم الأخلاق 21ـ دعاؤه في الاستكفاء 22ـ دعاؤه عند الشدة 23ـ دعاؤه بالعافية 24ـ دعاؤه لأبويه 25ـ دعاؤه لأولاده 26ـ دعاؤه لجيرانه وأوليائه27ـ دعاؤه لأهل الثغور 28ـ دعاؤه في التفرغ 29ـ دعاؤه إذا قُتِر عليه الرزق 30ـ دعاؤه في المعونة على قضاء الدين 31ـ دعاؤه بالتوبة 32ـ دعاؤه في صلاة الليل 33ـ دعاؤه في الاستخارة 34ـ دعاؤه إذا ابتلى ورأى مبتلى بفضيحة أو ذنب 35ـ دعاؤه في الرضا بالقضاء 36ـ دعاؤه عند سماع الرعد 37ـ دعاؤه في الشكر 38ـ دعاؤه في الاعتذار 39ـ دعاؤه في طلب العفو والرحمة 40ـ دعاؤه عند ذكر الموت 41 ـ دعاؤه في طلب الستر والوقاية 42 ـ دعاؤه عند ختم القرآن 43ـ دعاؤه إذا نظر إلى الهلال 44ـ دعاؤه لدخول شهر رمضان 45ـ دعاؤه لوداع شهر رمضان 46ـ دعاؤه يوم الفطر47ـ دعاؤه في يوم عرفة 48ـ دعاؤه يوم الأضحى 49ـ دعاؤه في دفع كيد الأعداء 50ـ دعاؤه في الرهبة 51ـ دعاؤه في التضرع والاستكانة 52ـ دعاؤه في الإلحاح على الله 53ـ دعاؤه في التذلل لله 54ـ دعاؤه في استكشاف الهموم 55ـ دعاؤه في التسبيح 56ـ دعاؤه في تمجيد الله 57ـ دعاؤه في ذكر آل محمد 58ـ دعاؤه في الصلاة على آدم 59ـ دعاؤه في الكرب والإقالة 60ـ دعاؤه مما يحذره ويخافه 61ـ دعاؤه في التذلل 62ـ دعاؤه في يوم الأحد 63ـ دعاؤه في يوم الاثنين 64ـ دعاؤه في يوم الثلاثاء 65ـ دعاؤه في يوم الأربعاء 66ـ دعاؤه في يوم الخميس 67ـ دعاؤه في يوم الجمعة 68ـ دعاؤه في يوم السبت 69ـ أدعية المناجاة الخمس عشرة[2] .
وقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يعبر عن آرائه التربوية والأخلاقية والعقائدية والثقافية من خلال الأدعية الشريفة التي كان يتلوها آناء الليل وأطراف النهار، وهي تشكل منظومة متكاملة لتربية الإنسان تفكيراً وفكراً وسلوكاً ومنهجًا.
2- رسالة الحقوق:
من الآثار العلمية البارزة للإمام زين العابدين عليه السلام رسالة الحقوق، وهي سفر عظيم، ووثيقة علمية وحقوقية هامة، وقد تناولت الحقوق والواجبات، وهي أول وثيقة مدونة في حقوق الإنسان قبل أن يتحدث العالم بمئات السنين عن وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، مما يوضح لنا الرؤية العميقة للإمام السجاد عن ثقافة حقوق الإنسان.
وقد روى رسالة الحقوق الشيخ الصدوق (ت 381هـ) في الخصال [3] ، ورواها أيضًا ابن شعبة الحراني في كتابه: تحف العقول [4]، ونقلها المحدث النوري في مستدركه عنه [5]، كما أشار إليها النجاشي (ت 450هـ) في ترجمة أبي حمزة الثمالي (ت 150 هـ) بقوله: «وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا الحسن بن حمزة قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين [عليهما السلام] »[6].
وتعد رسالة الحقوق للإمام زين العابدين من أهم الآثار العلمية التي وصلت إلينا بعد الصحيفة السجادية، حيث يبيّن فيها الإمام وظائف الإنسان وواجباته تجاه الله سبحانه وتعالى، وتجاه نفسه وتجاه الآخرين.
3- رسالة في الزهد:
من الآثار العلمية للإمام زين العابدين أيضًا رسالته في الزهد، يرويها الكليني (ت329هـ) بإسناده عن أبي حمزة الثمالي (ت 150 هـ) يحدثنا عنها بقوله: «قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين (عليهما السلام) وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه»[7].
4- تفسيره للآيات القرآنية:
روي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام جمهرة من الروايات في تفسيره لبعض الآيات القرآنية، كما ورد أنه كتب القرآن الكريم بخطه الشريف.
وكان الإمام من أبرز المفسرين للقرآن الكريم في زمانه، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره، يقول المؤرخون: «إنه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن، وقد أخد عنه ابنه الشهيد زيد في تفسيره للقرآن» [8].
وأخذ عنه أيضًا ابنه الإمام أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام في تفسيره الذي رواه عنه زياد بن المنذر الزعيم الروحي للفرقة الجارودية (9).
وقد اهتم الإمام السجاد عليه السلام اهتمامًا كبيرًا بتفسير القرآن الكريم، وخصوصًا آيات العقائد، حيث تناول القرآن الكريم العقائد في آيات كثيرة وسور متعددة، ويأتي اهتمام الإمام بذلك لبيان العقائد الحقة من العقائد الفاسدة التي بدأ الأمويون الترويج لها بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام كي يحرفوا مسيرة الأمة عن منهج الإسلام الأصيل.
وأوضح الإمام زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية أن الأئمة الأطهار هم الأعرف بتفسير القرآن الكريم من غيرهم، فقد ورثوا معرفة القرآن وتأويله وتفسيره من رسول الله، وأنهم الأعرف به، والأقدر على حمل تعاليمه وأحكامه، وتفصيل مجمله، وتفسير آياته، وتبيين ناسخه ومنسوخه، حيث قال: «اللَّهُمَّ إنَّكَ أنزَلتَهُ عَلى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (صلّى اللّه عليه وآله) مُجمَلًا، وأَلهَمتَهُ عِلمَ عَجائِبِهِ مُكَمَّلًا[10] ، ووَرَّثتَنا عِلمَهُ مُفَسَّراً، وفَضَّلتَنا عَلى مَن جَهِلَ عِلمَهُ، وقَوَّيتَنا عَلَيهِ لِتَرفَعَنا فَوقَ مَن لَم يُطِق حَملَهُ، اللَّهُمَّ فَكَما جَعَلتَ قُلوبَنا لَهُ حَمَلَةً، وعَرَّفتَنا بِرَحمَتِكَ شَرَفَهُ وفَضلَهُ، فَصَلِّ عَلىمُحَمَّدٍ الخَطيبِ بِهِ، وعَلى آلِهِ الخُزّانِ لَهُ»[11].
ثم يدعو الإمام إلى الاعتصام بحبله، والاهتداء بضوء نوره، والاستضاءة بمصباحه، والتماس الهدى من أحكام آياته، ومعرفة محكماته ومتشابهاته، حيث يقول: «وَاجعَلنا مِمَّن يَعتَصِمُ بِحَبلِهِ، ويَأوي مِنَ المُتَشابِهاتِ إلى حِرزِ مَعقِلِهِ، ويَسكُنُ في ظِلِّ جَناحِهِ، ويَهتَدي بِضَوءِ صَباحِهِ، ويَقتَدي بِتَبَلُّجِ إسفارِهِ، ويَستَصبِحُ بِمِصباحِهِ، ولا يَلتَمِسُ الهُدى في غَيرِهِ» [12].
وكان الإمام زين العابدين يعتني أشد العناية بتفسير آيات الذكر الحكيم، وبيان غوامضه وأسراره، وسيجد المتتبع لتفسيره الكثير مما ورد عنه في تفسير وتأويل وبيان الآيات الشريفة لكتاب الله المجيد.
5- مناظراته العلمية:
حفظت كتب الحديث والتاريخ والسيرة عددًا من مناظرات الإمام زين العابدين عليه السلام واحتجاجاته المدونة في العديد من الكتب والمصنفات [13]، كما سجل لنا التاريخ دررًا من قصار حكمه وأقواله النفيسة [14].
وتدل هذه الآثار العلمية للإمام علي بن الحسين على مكانته العلمية العميقة، ودوره في إثراء وإغناء وتعميق العلوم والمعارف الإسلامية.
وقد أصبح الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة المنورة بعدما عاد إليها واستقر فيها منارًا للعلم، ومنهلًا للحكمة، وينبوعًا للعلوم والمعارف، ومرجعًا للدين، وإمامًا للمؤمنين والمتقين.