البعض منا يعتقد أن الثقافة والإبداع الفكري يرتبط بالدرجة التعليمية، لكن هناك نماذج واقعية أثبتت سطحية وضيق هذا التفكير، فالأدب العربي يحتضن الكثير من المبدعين والشعراء العظام الذين أثبتوا أن عدم إكمال الدراسة ليس حاجزًا يقف أمام الإبداع الفكري، ربما تركوا التعليم المدرسي لظروفٍ قهرية، لكن هؤلاء العباقرة حرثوا مزرعة فكرية، وثبتوا جذورًا للمعرفة الأدبية.
من هذه النماذج عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد، حيث لم يتجاوز تحصيله العلمي المرحلة الابتدائية، لكن تجاوزت مؤلفاته مئة كتاب أثرى بها الفكر الأدبي، إضافة إلى آلاف المقالات في المجلات والصحف، وترك لنا ثروةً من الدواوين الأدبية، حيث إن عملاق الفكر العربي “العقاد” يعتبر من المؤسسين لأكاديمية الديوان في الشعر العربي، وتُرجمت كتبه بعدة لغات.
جامعة القاهرة منحت العقاد درجة الدكتوراه الفخرية لكنه رفضها، فأخبرته الجامعة بأن “برنارد شو” رفض جائزة نوبل، حيث يعتقد هو أن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلى الشاطئ! ولكن لماذا أنت يا عملاق الفكر العربي ترفض الدكتوراه الفخرية، قال العقاد: “من الذي يستطيع أن يمتحن العقاد؟”، والعقاد يعلم بأن الدكتور طه حسين قد قال: “أنا حصلت على ست شهادات دكتوراه والعقاد حاصل على الابتدائية”، فالعقاد يرى نفسه فوق درجة الدكتوراه فرفضها.
فلسفة وعبقرية العقاد جعلته أكبر مستوى من درجة الدكتوراه برفضها، حيث كان معظم كبار الأدباء يحضرون في مجلس العقاد ليمثل لهم شريانًا يحمل خلايا من الفلسفة الفكرية، فأصبح العقاد قمة هرم راسخة يمكن الوصول إليه من قاعدة متسعة، فلم ينل هذا المكان الرفيع بجاه أو بدرجة علمية بل نالها بمواهبه المتعددة، وهمته العالية، ودأبه المتصل، عاش من قلمه وكتبه.
العقاد له مساهمة كبيرة في الكتب الإسلامية، حيث له من المؤلفات سلسلة العبقريات، ابتداءً بعبقرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى كتاب الحسين (ع)، سيد الشهداء.
فليس كل من لم يلتحق بالتعليم هو شخص فاشل، يوجد الكثير أمثال العقاد والراوي العالمي آرنست همنجواى، حاصل على جائزة نوبل لرواية الأدبية “الشيخ والبحر”، لقد أثروا الحياة بالأدب والفنون بدون درجات علمية، فالعلم في الفكر والثقافة والأدب، وليس في امتلاك سلة بالشهادات وجفاف الفكر المعرفي.