ازداد في مجتمعنا مؤخرًا اهتمام البعض بالمظاهر حتى صاروا مهووسين بمطاردة المنتجات والماركات التجارية، خصوصًا النساء منهم، “من أين اشتريتِ هذا وكم سعره؟”، أكثر سؤال يُطرح أمامي في أي تجمُّع حتى تكاد تصبح المشتريات هي محور الأحاديث.
التباهي والمظاهر الخداعة أصبحت كابوسًا في عصرنا الحالي، فقد ازدادت المنافسات المادية والتقليد الأعمى، خصوصًا من بعض الأشخاص ذوي الدخل المحدود بالرغم من أنهم لا يملكون سوى قوت يومهم، فصاروا يتنافسون مع الآخرين المقتدرين والمتمكنين ماديًا بهدف أن يكونوا هم الأفضل في نظرهم، بينما في الحقيقة هي وسيلة للتباهي والتفاخر بين بعضهم البعض كل طرفٍ بما يملك.
لربما بعضهم لا يقصدون ذلك، ولكنها قد تبدو كذلك بدون وعي، فهناك يوجد من الجهةِ الأخرى أناسٌ فقراء لا يملكون شيئًا وإني لأرى في قلوبهم الحسرة، من ناحية فلنرحم قلوب هؤلاء، ومن ناحيةٍ أخرى فلنتوقف قليلًا عن المنافسة في التباهي والتفاخر في ما بيننا، ولنعش ببساطة، فتلك الحياة سترهقنا وستكلفنا الكثير وستؤثر سلبًا على الأجيال مستقبلًا.
في يومٍ من الأيام، وبينما كان هناك مجموعةً من الأطفال يلعبون بالقرب من منزلنا في لستر (Leicester)، جاءني طفلٌ منهم و قال لي: (?can I play on IPAD for your child)، هل أستطيع اللعب بآيباد طفلكِ؟ ففهمتُ أن طفلي قد خرجَ عند باب منزلنا وبيده الآيباد ورآه ذلك الطفل، بالرغم من أنني دائمًا أمنعُ طفلي من الخروج به أمامهم.
فقلت لذلك الطفل: “أنا آسفة لا أستطيع ذلك، ومن الأفضل أن تذهب إلى منزلكم وتلعب بجهازك”، فقال لي: “أمي لا تقبل بأن ألعب بجهازي”، وفي اعتقادي أن ذلك الطفل قد لا يملك جهاز آيباد مطلقًا، فأغلب العائلات هنا لا يزودون أطفالهم بالأجهزة، فأجهزة الحاسوب متوفرة مجانًا بالمكتبات العامة و المدرسية، ويستخدمونها فقط في حل واجباتهم المدرسية، أما اللعب فيكون دائمًا في الحدائق العامة التي تتوفر بالقرب من بيوتهم.
ستجد الأغلب هنا لا يبالغون في لبس أطفالهم ولا يتباهون بين بعضهم البعض بمظهرهم الخارجي، ويكتفون بسد احتياجاتهم فقط من الملبس والمأكل وباعتدال، فتجد معظم الناس يعيشون ببساطة ودون تكلف، وقد تجد شخصًا لا يبدو عليه الفقر يمشي بالشارع بجاكيته الممزق ولا أحد يلتفت له، وترى شخصًا آخر يلبس الجزمة المعدومة ويمشي بها بشكلٍ طبيعي جدًا أمام الجميع، ولو كان في مجتمعنا لأعدموه بصاروخٍ من التعليقات الساخرة وأحرجوه.
قال الله تعالى: (*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا*) فعلينا بالاعتدال وعدم الإسراف، ففي اعتقادي أن الاعتدال في المعيشة هو مصدر للراحة والسعادة.
للأسف الشديد واقعيًا نحن نشتري كل ما نرغب بشرائه وليس ما نحتاجه، فعلينا بحسن التدبير ولنركز على احتياجاتنا فقط، فمعنى التدبير هو تحديد الدخل المالي شهريًا والمبلغ الذي يتم إنفاقه، قال الإمام علي عليه السلام: “من ساء تدبيره تعجَّل تدميره”، وقال عليه السلام: “*سوء التَّدبير مفتاحُ الفقر*”، وقال عليه السلام: “*صلاحُ العيش التدبير*”، وقال عليه السلام: “*أدَلُّ شيءٍ على غزارةِ العقلِ حسنُ التَّدبير*”.