من يخبر الساعةَ عنا إذ نحنُ صرنا ساقيةَ العمرِ دون الماءِ بعد أن كنا النهرَ الذي يفيضُ ذاته. تأتي الآلامُ وكأنها كانت مختفيةً في الزاويةِ تنظر عدَّادَ الأيامِ ثم ترسلُ أجسامنا لها دعواتِ القدوم، ويحَ أجسادنا ها قد وصلنا الخمسينَ أو الستينَ أو السبعين!
بعضُ الترانيمِ والأجراسِ ممتعةٌ ونعشقها، تغريدُ البلابل وأجراسَ الربيعِ والحب وبعضها أجراسٌ نبغضهَا، جرسَ الشيبِ وجرسَ الرحلةِ الأخيرة. نحن من نرتل ترانيمَ الزمنِ في كُلِّ وقت ومن يؤدي الامتحانَ في الحصةِ ومن يعلقُ الجرسَ على صدرِ الأيام، هبةُ اللهِ لنا تعاقب التذكير، ليلٌ بعده نهار، ظلامٌ بعدهُ ضياء وشتاءٌ بعدهُ ربيع وكم هي مدة الحصةِ المعطاة لنا قبل أن يأتيَ الألم.
شيئانِ يأتيانِ قليلًا قليلًا ويرحلانِ ذاتَ الجيئة، الحبُّ والقوة. نخرج من رحمِ الأمهاتِ صفرًا من القوة، تمضي السنين نرى أنفسنا في القممِ لا شيء ينازلنا. تذهب العافيةُ رويدًا رويدًا، ألمٌ يأتي ونعتادهُ ثم آخر يأتي “جروحٌ يُسَكِّنُهَا من يؤلم أكثر. نرتعشُ في العواصفِ حتى يأتيَ اليومُ الأخرق ونموت بالكلية، ربما هي حتى لا نأسفَ على ثمالةِ العمر وقُمَامَتِهْ.
الحبُّ شيءٌ آخر! يأتي ويتسلل إلى القلبِ من العينِ العمياء التي لا ترى سوى من تحب. نستيقظُ على صورةٍ وننام على الصورةِ ذاتها ثم ينسل من نوافذِ القلبِ كما تسللَ من البابِ الأوسع. أينَ الولع، أين الوجع، أين من يجمعهُ الهوى؟ ماتَ الحبُّ وبقي مكتوبًا على حجرةِ القلبِ “كان يسكن شخصٌ هنا ومات”.
لا نستطيع أن نقولَ للقدرِ انعطف عنا وندبَّ عن انفسنا ألمَ العمرِ أو نذوده، بعضهُ بيدنا وبعضهُ بيدِ الربِّ وحدهُ لكن لا تكن أحلامنا في صداقةِ حفارِ القبورِ ولا تموت عقولنا قبل أن تموتَ أجسادنا. نسقي العمرَ ونسقي شجرةَ الحبِّ بما يبقيهما في الساعاتِ وإلا ذبلا وماتا، هلاَّ سقيتَ شجرةَ حبكَ في قادمِ الأيام؟ هي تشبهُ الزرعَ الذي يخضر في الربيعِ عند انكشافِ حرارةِ القيظِ ولن تموتَ قبل أن تموت.
والحبُّ في الناسِ أشكالٌ وأكثرها
كالعشبِ في الحقلِ لا زهرٌ ولا ثمرُ
وأكثرُ الحبِّ مثلُ الراحِ أيسرهُ
يُرضي وأكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
والحبُّ إن قادتِ الأجسامُ موكبهُ
إلى فراشٍ من الأغراضِ ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الأسرِ معتقلٌ
يأبى الحياةَ وأعوانٌ له غَدروا
“جبران خليل جبران”