الجوع في زمن الرفاهية..!

يبدو العيش في هذه الحياة اليوم أشبه بالعقاب الجماعي الذي ينزل بلا رحمة على الكثير من البشر، وكأنه كابوس نراه كل يوم ولا نصدق حقيقته.

بين الفينة والأخرى تقذف لنا وسائل الإعلام العربية والعالمية صورًا ومشاهد عن حالات الفقر والجوع المخيفة في بعض دول العالم العربي وغيره، صورًا قد تأخذها بعض المحطات العالمية للتسويق إلى حالة الذل والهوان التى تعانق الإنسان، والذي وصل به الحال إلى البحث عن فتات الخبز في مجمعات القمامة.

عندما نرى المشاهد التليفزيونية التي تبثها لنا بعض المحطات الفضائية عن حالات الجوع والفقر، ونتأمل حالات الموت جوعًا لدى الأطفال في بعض الدول، وفي الجهة المقابلة نرى الرقص على أنواع الطعام وأشكاله وألوانه بعيون الكاميرات الرقمية في زمن الرفاهية!

يمرون على صور الأطفال الجوعى، ولا أحد يسأل عمن تسبب في ضياع مستقبل الطفل العربي، فِي ظل هذا الجوع الذي يخرج من بين جفافه دموعًا، وذلًا، وحاجة، لا أحد يسأل عن مصير هذه النفوس البريئة عندما تكبر، والتي سوف تكون محطمة ومهمشة ولا قيمة لها حتى في عالمها العربي، وستعيش في طوابير الذل والركوع.

في بعض الدول العربية والإسلامية الموت ينتظر العشرات من الأطفال مع أمهاتهم اللاتي يحملنهم حفاة بين أكوام القمامة، وهن يسعين للحصول على ما يسد رمقهن من الجوع والعطش، في زمن بلغت الرفاهية والنعيم شيئًا مبالغًا فيه لدى الكثير منا، في زمن يتحدث البعض منا عن الإنترنت والاتصالات والتقنيات العالية والبرمجيات الحديثة وغيرها، والبعض يتحدث عن الرفاهية في السيارة والكماليات، في زمن يموت فيه إنسان لا يجد شربة ماء أو لقمة عيش..!! إنها مأساة عندما تموت الإنسانية في الإنسان وتجعله لا يشعر بأخيه الإنسان.

إن بطوننا المملوءة بالطعام وصلت إلى حالات التنهد على الميزان ومراقبة أرقام الأوزان، والقيام بتكميمها أو تغيير مسارها تحت مسميات الرجيم والبحث عن الجسم الرشيق، وحين تقوم المحطات الفضائية بالاحتفال بنظرات النساء الجميلات لا أحد يهتم لنظرات الجائعين، وحين تغني المطربة وترقص الراقصة للرجال وتزعم أن نظراتهم لافتة تضيء أسرار الحياة، لا أحد يلتفت للطفل الجائع الذي يحوي داخله أصدق الأسرار، ولا يكتشفها إلا من ذاق بؤس الفقر والجوع والحرمان.

في إحدى جلساتي مع بعض كبار السن في بلدتي تحدثت معهم كي يحدثون عن أيام مرت عليهم في الماضي، فاستذكروا تضحيات الآباء والأجداد في زمن ما قبل اكتشاف البترول كيف كانت قسوة الحياة ومعاناتها، والتي لم تزدهم تلك المعاناة وقسوة الحياة إلا ارتباطًا بتراب الوطن، ويقولون: إن هذا البلد مرت عليه حالات من الفقر والجوع، وكانوا حفاةً يلبسون الخيش بدلًا من الأثواب، ويأكلون “الحشائش” وما ينبت من الأرض.

هذه المشاهد تفرض على كل إنسان في هذا الوطن، وبالذات الجيل الجديد من الشباب أن يستحضروها، فقد جاءت لتذكرهم بأن ما ينعمون به اليوم من خير ورفاهية، هي هبة من الله (سبحانه وتعالى)، الأمر الذي يستوجب علينا شكر الله تعالى والمحافظة عليها، وتوظيفها لصالح أبنائها باعتبارهم الثروة الحقيقية للوطن.

خلاصة الكلام هي؛ أن “الجوع كافر” عبارة نسمعها تتردد بين الفينة والأخرى، وأن الإنسان يفقد صوابه في كثير من الأحيان بسبب الجوع، ولنا في الطفل الرضيع مثالًا حين يتعالى صراخه ويبكي بحرقة حتى يبلغ ثدي أمه أو قنينة الحليب التي بح صوته من أجلها، وفيما نجد طوابير من البشر في المطاعم لأجل الحصول على الوجبة، وأول ما نسأل عنه حين استيقاظنا من النوم هو الأكل، وعند عودتنا من أعمالنا فأول ما نطمئن عليه هو جاهزية الوجبة؛ كل ذلك لمحاربة الجوع.


error: المحتوي محمي