حوّل المخرج ياسر الحسن قطعة قماش بيضاء ممتدة على عرض المسرح إلى حياة كاملة يعيشها “علي بن عيسى”، بطل عرضه “الشرقي الذي فقد”، والذي عرض ضمن مهرجان المونودراما الأول، والذي انطلق يوم الاثنين 1 أكتوبر 2018 في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، ضمن عددٍ من المشاركات اختتمت يوم الأربعاء 3 أكتوبر 2018.
“الطبعة” تعود بأهازيج النهامة
تتمحور القصة حول الغواص علي بن عيسى الذي أبحر ليجمع مائة لؤلؤة مشجرة لحبيبته مريم، ثم فقد في سنة “الطبعة”، ابن عيسى نجا من الإعصار ولم ينج من القراصنة حيث تم أسره من قبلهم، محاولين سلخه من هويته واستعباده.
واستطاع المخرج أن يروي تفاصيل تلك الحكاية، مستعينًا بقطعة قماش بيضاء وإضاءة خافتة وموسيقى ارتبطت بالبحر وممثل واحد فقط، ليشهد الجمهور بداية الحكاية بعد أن سافر “الحسن” بخيالهم ناحية البحر تحديدًا بصوت النهامة وأهازيجهم، وقد تمكن من خلق حياة المحمل بحركات بسيطة خلف تلك القطعة البيضاء، لينتقل بعدها إلى الصراع مع الإعصار، ثم نجاة ابن عيسى.
بدأ الكاتب نصه بجملته “لم نكن يومًا أصحاب حلم يرتبط بالضوء وإنما بما وراءه”، واختتمه بها، مما جعل المتلقي يعيش حالة شوق: هل يعود الشرقي بعد أن فقد في جزء جديد؟!
وتعرف الجمهور على تفاصيل الحكاية جميعها من حوار الممثل مع نفسه فقط، وهو يصارع نسيانه وفقدان ذاكرته الذي يداهمه بين حين وآخر، تلك الذاكرة التي كان للإضاءة وإن كانت خافتة دورٌ في الترميز لها، حيث تجده يضيء حينًا وينطفئ حينًا آخر، وكأنه ذكريات ذلك المفقود كلما استيقظت أو غفت، كل ذلك الصراع كان هدفه الفرار إلى “هويته”، تلك الهوية التي عبر عنها الحسن بـ”ابن البحر الذي يعشق اللؤلؤ بقلبه قبل حواسه”.
امتداد عمره 16 عامًا
ترتبط قصة “الشرقي الذي فقد” بمونودراما “مريم” والتي ولدت من رحم قلم “الحسن” عام 2002، ثم “مريم وتعود الحكاية” في 2011، وأخيرًا جاءت “الشرقي” لتكمل حكايته في عام 2016، وقد أداها الفنان حسين يوسف، ثم في عام 2017 أعاد العرض وجسده الفنان ماهر الغانم.
“الحسن” بثوب “الشرقي”
في العرض الأخير لمونودراما الحسن، لم يكتفِ بدور المؤلف والمخرج للعرض فقط، فقد فاجأ الجمهور بإكماله لضلع المثلث الأخير حين جسد هو دور بطل الحكاية.
وعن تجربته الثلاثية قال لـ«القطيف اليوم»: “دائمًا كان لابد لياسر الحسن المؤلف أن يكون موجودًا في النص من خلال كلماته التي تقال وترسخ في الذاكرة، وأستشهد هنا بجملة: «لم نكن يومًا أصحاب حلم»، وهي الجملة التي وجدت صداها عند عدد من الجمهور، أما بالنسبة لياسر المخرج فقد حاولت أن أفصل بينه وبين “ياسر المؤلف” إلا أنني أظن أنني كنت أسير المخرج أكثر”، مضيفًا أن تجربة الجمع بين الإخراج والتمثيل تجربة جديدة وصعبة في الوقت ذاته، إلا أنه حاول التغلب على تلك الصعوبة، كما وعد بتلافي الأخطاء في العروض المقبلة.
المونودراما تبحث عن نصها
أوضح الحسن أن هناك نصوصًا قابلة لأن تتحول لمونودراما، وهناك نصوص لا، ففي أحيان كثيرة لابد أن يشتغل الكاتب على نصه كمونودراما من البداية.
وأضاف بقوله: “هي فن صعب جدًا ومتعب فليس كل الممثلين يستطيعون النجاح، وليس باستطاعة أي ممثل النجاح، لأن مشكلتها تكمن في التواصل بين الممثل والمتلقي، فلو انفلت خيط المتلقي أعتقد أنه هنا كتب للعرض أن يفشل، ومع أنه فن صعب إلا أنه ممتع، وجمهوره قليل، إلا أن الحضور في عرض الدمام أكد لي أن شعبيته بدأت تتسع”.
بعد ثلاثة.. التجربة تحتاج النضج
بعد ثلاثة عروض لـ”الشرقي”، هل مازال مخرجه يشعر أنه لا يوجد مانع من إعادة العرض وتكراره؟ فأكد أنه مازال يشعر أن التجربة تحتاج أن تنضج أكثر، وأن يعمل عليها عدة مرات.
وقال: “لدينا في المنطقة خطأ متكرر، فأغلبنا يقوم بالعرض لمرة واحدة ثم يتوقف، وهذا خطأ كبير، فالمسرحية لن تنضج إلا بكثرة عروضها لتلافي أخطائها”.
ثلاثة في روح واحدة
حلق الحسن في نصه هذه المرة بثلاث أجنحة إلا أن الروح كانت واحدة، فهو كما أسلفنا كاتب النص ومخرجه وممثله، وحول تمكنه من السيطرة على اتزان تحليقه بتلك الأجنحة دون أن يهوي في جزئية ما، أجاب قائلًا: “ليس لدي قدسية في النص وإن كنت كاتبه، فأنا أتمرد عليه، والدليل أنني حين استخدمت قطعة القماش في «مريم» الأولى وهي الجزء الأول من سلسلة «مريم» التي تنتهي بالشرقي الذي فقد كان استخدامي لقطعة القماش كرؤية تمرد على ما في النص نفسه، فالنص كان يتكلم عن محمل في سفينة، في قرية في بيت، واستعنت بقطعة القماش لتحويلها لتلك الأماكن، مثلما فعلت في “الشرقي الذي فقد” الآن، فتلك القطعة صارت ثيمة خاصة بـ”مريم” الأولى والثانية و”الشرقي”، وأيضًا لو كتب للعمل أن تكون له أجزاء جديدة فلن أمانع في استخدامها مع بعض التكنيكات التي سندخلها عليها.
من هو
– ياسر الحسن.
– بلدة سنابس بمحافظة القطيف.
– حاصل على بكالوريوس علوم.
– مؤلف ومخرج وممثل مسرحي.
– حاصل على عدد من الجوائز في التأليف من أهمها مسرحية “مريم وتعود الحكاية”، و”الشرقي الذي فقد”.
كما حصل على عدد من الجوائز في الإخراج من أهمها مسرحية “زوان”، و”همام في بلاد الشلال”.
من عرض “الشرقي الذي فقد” بالدمام