طريقُ الذهب

هل تصدق أن باستطاعتكَ الحصول على الذهب؟ لا، ليسَ عليك أن تقامرَ أو تفعلَ ما ينقص من الشرفِ أو يحطَّ من قدرك، بل هي وعودٌ يطلقها الربُّ لجميعِ البشر ولابد أن تخرجَ من القوةِ إلى الفعل عندما تتحقق مقدماتها ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أنتَ وأنا لسنا مستثنينَ من عطاءِ الرب، ليس فقط يعطينا الفرصةَ في التساوي لكنه أيضًا يرسم لنا الطريق ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾.

ابتسم شابٌ لا يعمل عندما سألته لمَ لا تعمل؟ أنتَ تأكل وتسكن مما يكسبهُ أبوكَ الذي كبر وأنت في العمرِ سعةٌ، في الثلاثين وزهوِ الشباب! قال لم أعمل منذ خسرتُ وظيفتي، حاولتُ الحصولَ على أخرى ولم يتصل بي من طلبتُ منهم الوظيفة ولا شيءَ الآن. يتلطف الشبابُ بالاستماعِ للذين كبرت فيهم شجرةُ الحياةِ، ذبلت أغصانها وتساقطت أوراقها يبثون لهم شكواهم ويرونهم مصابيحَ الظلامِ التي تنير الطريق لهم وهم يعلمونَ أن “ليس كل كلامٍ يباع في سوقِ الصيارفة”.

ليس من العدلِ أن يصفَ الصحيحُ الألمَ والغنيُّ الفاقةَ فشاركته بعضَ طرائفِ السنينِ التي عشتها حيثُ في عمري القصير رأيتُ أناسًا في قمةِ جبالِ الغنى والثروة أنزلهم الزمانُ إلى أوديةِ الفقر والعوز ورأيتُ أناسًا لم يخطر لي ببالٍ يومًا أن الربَّ سوف يملكهم ما ملكوا، ليست الأيام هي التي تفعل ما تشاء بل نحنُ نفعل ما نشاء بعزمِ الربِّ وقوته التي يمدنا بها.

لن يكتبنا أحدٌ على قائمةِ الأولوياتِ وينادينا لننضمَ إلى فريقِ عمله إلا إذا كنا نملك ما يعتقد أنه يحقق له الربحَ من معرفةٍ ومهارةٍ وشهادة تقنعه بقيمتنا وإلا فنحن علينا الخروج والسعي في مناكبِ الأرضِ بحثًا عن تلكَ الوظيفةِ التي ربما يكون فيها الحد الأدنى من الكفاف.

كل الوظائف لا تجعل أصحابها يملكونَ الذهبَ بل ما يجعلهم يملكونَ الذهب هو المال الذي يحصلونَ عليه من تلكَ الوظيفةِ ويستثمرونه، ربما أنت لا تملك ذاكَ المال ولكن تملك بعضه! قليلٌ من المالِ قد لا يأتي بالذهبِ في يومٍ أو في سنةٍ لكنه سيأتي بالذهبِ يومًا ما؛ عندما تزداد أسعارُ السلعِ ويقل دخلُ الناسِ تخلقُ الحاجةُ فرصًا لإصلاحِ ما هو قديم أو شراءِ ما هو أقلَّ سعر أو استئجار من يقوم بالعمل بتكلفةٍ أقل وكلما ضاقَ الحالُ عاكسته تلك الفرص. منذ كنا في أيامِ الدراسةِ في الخارجِ في الثمانينيات من القرنِ الماضي كان هناك من يقدم للناسِ خدماتٍ من بيوتهم يحسبها الناسُ أكثرَ جودة أو أقل سعر أو أكثر سلامة من ذاكَ الذي تقدمه الناس في السوق، من الأكل ومختلف الخدمات المنزلية وكأنهم يقولونَ صنعةٌ في اليدِ أمانٌ من الفقر. أعمالٌ بسيطة كان دخلها أكثرَ من ذاك الذي يحمل شهادةً ودرس في تخصصات لسنواتٍ طويلة.

ما يعدك الناسُ قد يصدق أو لا يتعدى “مواعيدَ عرقوبٍ أخاهُ بيثرب” ولكن ما يعدك الربُّ يصدق، إما يأتيك الذهبُ أو تأتيك كرامةُ العيش. مرَّ رجلٌ على عاملٍ يصلح كنيفًا وهو ينشد:
وأكرم نفسي عن أمور كثيرة
ألاّ إنّ إكرام النفوسِ من العقلِ
وأبخلُ بالفضلِ المبينِ على الأولى
رأيتهم لا يكرمونَ ذوي الفضلِ
قال فقلت له: تعمل في هذا وتكرم نفسك؟ قال: إنما أكرم نفسي عن سؤال اللئامِ من الناس.


error: المحتوي محمي