لا يجب أن تمر أيّام شهر المحرم بمُختَلف فَعالياته على شَبابنا مرور السَحاب دون استخلاص ولو القليل من القِيَم والدروس والمواعظ، فالمُتأمل في السيرة العَطِرة لشباب المَلحَمة الكربلائية، يُدرك أهمية القِيَم التي جعلت من شبابها أبطالًا خَلدهم التاريخ بالرغم من صغر أعمارهم.
احترام الكبير خُلق إسلامي، وقيمة اجتماعية مُهمة، ولكن مَنْزِلة الشخص لا تقاس فقط بعدد سنين عمره، بل بإنجازاته وما يتركه من أثر في نفوس وحياة الآخرين.
مضى ما يقارب ألفًا وأربعمائة عام، وما زالت بطولاتهم تُقرأ على المَنابر وتُنشَر في المُجلدات، ولايزال الشعراء يَنظُمون فيهم المديح والرثاء. كانوا على أتم المعرفة بمصيرهم وبما ينتظرهم، فهم أهل بيت النبوة، ومع ذلك كُلٌ سعى واجتهد لِنَيل مُبتغاه.
من الضروري أن يضع الفرد منا نصب عينيه؛ الهدف الذي يريد تحقيقه، وما يتلاءم مع إمكانياته، تحديد الهدف وحده لا يكفي، ولكن يجب السعي والمُثابرة والاجتهاد والاستفادة من الموارد المتاحة، بما فيها خبرة السابقين، وتطوير المهارات المطلوبة من أجل تحقيق الهدف.
تحقيق الهدف يتطلب تحمل المسؤولية وتقبل النتائج أيًا كانت والمخاطر المُصاحِبَة، هذا لا يعني المضي قدمًا حتى في وجود نسبة عالية من المخاطرة، ولكن يجب الموازنة بين الأرباح والخسائر، فالقليل من النجاح أفضل بكثير من التراجع والخروج من التجربة صفر اليدين.
لا شك بأن القدرات الجماعية وروح الفريق الواحد عنصران في غاية الأهمية، ولكن إيماننا بقدراتنا الفردية هو الوقود الذي نحتاجه للمضي قُدمًا، والاندماج مع الآخرين لتحقيق أهدافنا الشخصية أو أهداف مُشتركة، فكُلُ فرد منا مُكَمِل للآخر بما يملك من معرفة ومهارات.
من يأخذون زِمام المُبادرة هم أقرب لتحقيق النجاح والوصول للأهداف المرجوة، من الذين يُمضون جُل وقتهم في الانتظار، عوضًا عن التحضير لبدء رحلة تحقيق الأهداف. المبادرة قيمة عالية وهي من صِفات القادة وتُعبر عن رغبة الشخص في اكتساب المعرفة والخبرة.
الأهداف لا تتحقق بين عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، بل تحتاج في بعض الأحيان للكثير من الصبر، وتتطلب إعادة المُحاولة لعدة مرات، فالخروج من كل تجربة له دُروس مُستفادة تُساعد في عدم الوقوع أو تكرار نفس الأخطاء في المُحاولات القادمة.
جَسَّد شباب المنطقة الكثير من هذه القِيَم، فَكُل الشكر والتقدير لهم على ما يقدمونه من جهود لإظهار التَجَمُع العاشورائي بالصورة التي يَستَحُقَها، فعلى سبيل المَثال نرى الشباب وبالرغم من ارتفاع درجات الحرارة ونسبة الرطوبة؛ يقفون لساعات طويلة من أجل تنظيم مرور سير المركبات داخل القرى، حيث الشوارع ضيقة ولا تتحمل الازدحام وتجنب أي اختناق مروري قد يعيق الحركة الاعتيادية أو في حالة وجود ظرف طارئ لا قدر الله.
ونرى مجموعة أخرى سَخرت سياراتها الخاصة لنقل من يجدون صعوبة في الوصول إلى أماكن إقامة الشعائر الحسينية، والبعض سخر دراجته النارية ليسهل التواصل بين اللجان التي تتوزع في أماكن مختلفة.
ونرى البعض منهم يقوم بتنظيف الشوارع، ووضع الأوساخ والمخلفات في الأماكن المُخَصَصَة، والذي يُسَهِل وصول عمال النظافة لها، بل البعض يقوم بفرزها ووضعَها في صناديق إعادة التدوير لتتم الاستفادة منها.
أَي إنسانية أعظم من مبادرة التبرع بالدم في ليالي شهر المحرم، والتي يتهافت على المشاركة فيها الناس من كل حدب وصوب، مُلبين نِداء المولى عز وجل {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
المُتَتَبع لهذه الأنشطة يُلاحظ أن النسبة الكبرى بل الأغلبية من القائمين عليها هم من فئة الشباب، نعم شباب استفادوا من تجارب السابقين وسخروا إمكانياتهم وجهودهم كُلٌ حسب اختصاصه، لخدمة المجتمع وإظهار الجانب الثقافي والحضاري للمَلحمة الحسينية.
ويبقى الإيثار وحب العطاء وتحقيق الخير للآخرين من أجمل الصفات التي قد يتّصف بها الإنسان، وهذا ما عكف شَبابنا على إظهاره، وما لمسناه وشَهدناه في كثير من المَواقف والمُناسَبات، فهنيئًا لمُجْتَمَعات تَملُك هذه النماذج المُشَرفة من شُبان وشابات.
السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَأصْحابِ الْحُسَيْنِ اَلَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ.