طرح الشيخ علي البيابي موضوع الروح الانهزامية ضمن بحوثه العاشورائية في ليلة الثامن من محرم 1440هـ، بمأتم الزهراء بالعوامية من خلال دلالات الآية (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وافتتح الحديث بذكر سبب نزول هذه الآية والتي جاءت مواسية للمسلمين لخسارتهم وهزيمتهم في معركة أحد، والتي أعقبها انهيار معنوي ورجوعهم إلى المدينة بمشاعر الإحباط، حاملين الهزيمة على ظهورهم، فكانت هذه الحالة تحتاج لرفع معنويات من جديد وكان النبي (ص) يريد أن يستفيدوا من هزيمتهم فنزلت الآية لتشد عضدهم وتحشد المسلمين من جديد وتعيد الروح المعنوية لتناديهم: أنتم حين تنازلتم عن الإيمان تعرضتم للهزيمة فإذا رجعتم لإيمانكم ستنتصرون مرة ثانية.
وقسّم بحث الانهزامية في زمننا الحاضر إلى قسمين على مستوى الفرد والأمة، وتفرع مستوى الفرد بدوره للانهزام مع الذات ومع الآخر القريب والبعيد.
وأوضح أن النفس الأمارة تطلب ولا تشبع فإذا ترك الإنسان لنفسه الأمارة مجالًا مفتوحًا فإنها ستهزمه، وهذا ما يدع كلمات الانهزام تطرق مسامع السائل الذي يسأل كل صاحب عادة سيئة مثل مشاهدة الأفلام غير المباحة والسب والشتم الذي يجعله البعض كفواصل بين الجمل، حيث سيكون الجواب؛ لا أستطيع ولا أقدر أن أتركه فهذا انهزام أمام النفس.
وبين البيابي أننا بمواقفنا اليومية أيضًا قد تصدر منا كلمات في حال الغضب قد تطال حتى الأبوين بنظرة غضب أو رفع صوت ويكون التبرير أنه بعدم إمساك النفس والوقوع بالهزيمة مع النفس، والتي تعد حالة خطيرة تجر نحو المحرمات والرذائل.
وتطرق للانهزامية مع الآخر القريب والذي يعنى به الأصحاب بالدرجة الأولى، حيث إن الصاحب يعد عاملًا مؤثرًا لصاحبه حيث قد يكون هناك فرد لا يمارس عادة معينة ويمارسها حين يصاحب أصحاب يمارسونها فيتأثر دون أن يشعر، واستدل على ذلك بقول أمير المؤمنين (ع): “لا تصحب الشرير فإنك تسرق من أخلاقه دون أن تشعر” وبقول الإمام الصادق (ع) الذي وضع ضوابط وخمس صفات للصديق الذي ينبغي مصادقته وهي: أن يكون سره وعلانيته معك واحدًا، وأن يزينك ما يزينه ويشينك ما يشينه، وألا يغيره عليك مال ولا منصب، وألا يمنعك شيء تحت يده، والخامسة تجمع كل ما مر وهي ألا يتركك عند النكبات.
وأكد على مصاحبة من ينفع الفرد في تحقيق أهدافه ومساعدته في الطريق الصحيح، وعرض مثالًا لصداقة الشيخ عباس القمي مع صاحبه سيد محمد هادي الميلاني، مع طرح قول لأحد العلماء حيث يقول: أنا أذهب مع صاحبي لأي مكان إلا إذا ذهب لطريق جهنم فأنا أتوقف، وأقول: هذا فراق بيني وبينك.
وعن المقصود من الانهزام مع الآخر البعيد قال: نقصد بها الثقافات الأخرى حين التغرب ببلادهم أو حتى عبر جهاز الجوال ومشاهدة المسلسلات والأفلام الأجنبية فهذه ثقافات غير إسلامية، بعض الناس ينبهرون بتلك الثقافات ويعقدون المقارنات بالنظام والالتزام بالقوانين والنظافة لتكون الغلبة بصف تلك الثقافات ويعد هذا انهزامًا وضعفًا، وهذا الانهزام قد يقف عند حد الشكل ليغير الفرد شكله ليصبح مثلهم وليس هناك إشكال إذا لم يخرج من الحدود الشرعية، وكذلك إذا غير لهجته وكلامه.
وحذر من تطور الأمر حين تصل للثقافة فهنا يدق ناقوس الخطر حين تصل للفكر فتتغير الأفكار الإسلامية، وأخذ مثال المغتربين حين يتغيرون حال الذهاب لبلاد الغربة، علمًا بأن هذا الأمر لا ينطبق على الجميع فالبعض يزيد إيمانًا، لكن بعضهم يتغير لأنه ينبهر عندما يرى الحضارة عندهم فيقول: أين نحن وأين هم؟! إذن الحق عندهم، مغمضًا عينه عن حالات الاغتصاب وحالات الانتحار والتفكك الأسري والمشاكل الكثيرة هناك لكن فقط يركز على بعض الأبعاد البسيطة فيهم فيغتر ويبدل ثقافته كاملة، وهذا النوع من الانهزام خطير جدًا.
وأشار إلى ضرورة الالتفات للثقافات المختلفة فلديهم الطيب والخبيث، وعلينا أخذ الأفكار الطيبة لنستفيد منها ونحاول اجتناب الأفكار الأخرى التي لا تتناسب مع الثقافة الإسلامية.
واستعرض البيابي بالنهاية كيفية انهزامية الأمة وأخد المغول كمثال على ذلك، حيث إنهم أصبح لا وجود لهم الآن؛ فقد انهزمت ثقافتهم حين انخرطوا مع المسلمين ونسوها حينما صاروا مسلمين.
وعاد للآية الاستفتاحية موجهًا إلى عدم الإصابة بحالة الإحباط، وأكد صحة هذا القول ولكنه بيّن سبب تقدم الغير وهو أنهم عملوا بالأسباب، متسائلًا: ماذا عمل الفرد منا؟ فقط تنازلنا عن الأسباب الطبيعية ووصلنا لهذا الحال واستدل بالآية: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) مستنكرًا: هل نحن غيرنا؟ فإذا لم نغير فلا نلومن إلا أنفسنا بهذا التقصير الذي أدى لتأخرنا.
وأوضح أن العرب كانوا في قمة التقدم في زمن من الأزمنة، حيث إن بعض المصطلحات العلمية باللغة الإنجليزية نُقلت عن اللغة العربية كما هي، بالإضافة لأسماء النجوم المأخودة من العربية حين كانت المراصد والفلك بيد العرب، مع بعض المصطلحات العلمية المعروفة التي انتقلت لهم بالغة العربية لأن الأمة العربية كانت بيوم من الأيام لها الزعامة العلمية فنقلنا لهم مصطلحاتنا، ولكننا تنازلنا عن مكانتنا وهذا وضع طبيعي
﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا﴾؛ بمعنى أنه إذا رجعنا ثانية نرجع لذلك الحال وأحسن منه.
وعدّ البيابي عامل القراءة والاطلاع سببًا للتقدم، وأيد ما يقوله بنتائج الدراسات حيث يقول البعض فيها إن معدل قراءتنا نحن العرب جميعنا أن كل ستة أفراد منا يقرأون كتابًا واحدًا في السنة الواحدة، بينما بعض دول الغرب يقرأ فيها كل واحد منهم 35 كتابًا في السنة الواحدة.
وعلق على ذلك قائلًا: هذا عامل طبيعي للتقدم فإذا نحن لم نقرأ فنتيجة ذلك الطبيعية أن يصبح هذا حالنا، وإذا كان فيتا واحد مثقف ومطلع فهو يقرأ الجرائد والمجلات ويقرأ بوسائل التواصل الاجتماعي على انستجرام وتويتر فهذا المثقف لدينا الذي يقرأ باليوم ساعة أو ساعتين، والبعض حين يذهب لسوق الكتب تجذبه كتب الأبراج والطبخ وتفسير الأحلام فهل هذا ينفع للتقدم؟!