لخص سماحة العلامة الشيخ الشاعر نزار آل سنبل الأحداث التي وقعت في ليلة العاشر من محرم من عام 61 للهجرة، بملحمة مصغرة من البحر الخفيف وقوافٍ متعددة بعنوان “حوار في دائرة الضوء”.
وسرد “آل سنبل” في ملحمته الحوار الذي وقع بين الإمام الحسين (ع) وأنصاره وأهل بيته، ونقلها التاريخ مروية عن الإمام عليّ بن الحسين “عليه السلام” بمصادر متواترة.
وتحكي الملحمة بإيجاز حديث جميع الشخصيات التي وجدت في الحوار بلغة مسرحية، تجسد للقارئ تفاصيل الأحداث ورؤيتها كلقطات سينمائية في خياله.
وقال الناقد العراقي ثامر الوندي فيها: “إن قصيدة نزار سنبل قصيدة ذاهبة إلى المستقبل والتجدد بكفاءة أدواتها وكثافة رؤاها وأشكالها المتحركة على محاور تعبيرية متعددة، ناقلة ولاءها وإخلاصها عبر تقاطع أبعاد الزمان، وهي من نصوص المجموعة المتفوقة في عطائها”.
تجدر الإشارة إلى أن الملحمة شملت حديث أصحاب الإمام في ما بينهم، واستعدادهم التام للفداء بأرواحهم، وشوقهم للشهادة، وخطاب الإمام الحسين لأصحابه وإتاحة الفرصة لهم بالهروب قبل حلول يوم العاشر، وحوار العباس ابن علي (ع) وبني هاشم وبني عقيل مع الإمام، وحوار مسلم بن عوسجة (رض) مع الإمام ووصفه لمعسكر الأعداء، وحوار زهير بن القين (رض) وسعيد الحنفي (رض) مع الإمام الحسين (ع)، وتختتم بـ”صوت يجي من وراء الغيب” ليعلن نهاية المشهد وإسدال الستار عن دائرة الضوء.
نص القصيدة:
حوار في دائرة الضوء
يجلس أصحاب الحسين عليه السلام يتحدّثون فيما بينهم:
في هُدوء الظلامِ يَفتـرش الرمل * كماةٌ من الهُدى أمنـاءُ
قد اُديرت حكايةُ الزمـنِ الماضي * وما قد تفوّهَ الأنبيـاءُ
خيرةُ الناس في الزمان رجالٌ * حضنتهم في تُربها كربلاءُ
في غدٍ تُفرشُ الجنانُ الروابي * ويلمُّ السعـادةَ الشهــداءُ
فعَلت في ثغـورهم بسمـاتٌ * إيهِ يا قوم إنّنا السعــداءُ
يأتي الإمام الحسين عليه السلام فيجمع أصحابه ويخاطبهم:
لفَّ جنحُ الظلام أودية الأرض * فأَغفت عيونها الأعـداء
والدروبُ السمراءُ تعتنـق الليل * بشـوقٍ فتختفـي الأشيـاء
قد وَفيتُم وليس غيـريَّ مطلوباً * لدى القـوم أيهـا الأوفيـاء
ارتدوا الدربَ في الخفاء سُراعاً * واركبوا الليل أيهـا الأزكيــاء
فيقوم أخوه العباس عليه السلام ويتبعه بنو هاشم فيقولون:
أفنمضي وأنت وحدك تبقى ؟ * ليس هذا من شيمة النبـلاء
أفنمضي لكي نعيش فنشقى ؟ * قد أبينا الحياة في الظلمـاء
ثم يتوجه الإمام عليه السلام نحو بني عقيل ويقول:
حسبكُم مسلم العظيم شهيداً * فاذرعوا الليل خلسةً والبيـدا
ولكنهم يجيبونه:
نحن…نحن…الفداء والقربان * إنما أنـت بالقلـوب تُصـانُ
كيف نمضي وما تعرَّت ذراعٌ * واكتوى خـافِقٌ وبُـحَّ لِسـانُ
ثم يقوم مسلم بن عوسجة الأسدي ويُشير إلى معسكر الأعداء فيقول:
السياجُ الــذي تلـوثَ بالحـقدِ * ذئــابٌ ممسـوخـةُ الألـوانِ
أي عـذرٍ إذا التحــم القــومُ * فأقعـت عن نَصركُـم ساعــدان
لا يراني الإلهُ أهــربُ خوفـاً * سوف أمشي للحـرب والميــدانِ
إنّ سهميَّ مرماه صدرُ الأعـادي * ورماحــي مشتاقةٌ للطعـــان
ويقوم سعيد بن عبدالله الحنفي فيقول:
لو قُتلنا سبعبن قتلـة عزٍ * ما تركناك للسيوف طعاما
وسنبقى ليعلم الله أنّــا * قد حفظنا فيك العهود ذماما
ويقوم زهير بن القين ويقول:
قد وددت الممات ألفاً وكانت * لغةُ القتل للحسيــن وقِــاءا
إنّ روحي على يديَّ وأمشي؟ * حاشـا لله أن أروم بقـــاءا
إنها النعمـة الكبيـرة تنصّبُ * لاُلقي لهـا الفـؤاد إنـــاءا
فرحةُ النفس أن تروح فـداءاً * لحسينٍ فترتـدي الأضـواءا
ويتكلم جماعة أصحاب الإمام عليه السلام بكلام يشبه بعضه بعضاً فيقولون:
قد أبت أنفـسُ الكـرام انهزاما * وأحطنــاك سيداً وإمامـا
في غدٍ نُطعمُ المواضي قلوبـاً * ونهزّ الرمــاحَ والأعلامـا
شرفٌ أن نموت دون حسيـنٍ * ونفوسٌ نفدي بهــا الأسلاما
وهنا يشكرهم الإمام عليه السلام على موقفهم هذا:
لكم الجنة الموشاة بالنـور * وفائـي وعينُ كـل وســامِ
أنتمُ الهالة المضيئة ســرٌ * غرقت فيــه قصــة الأيام
في غدٍ تنطوي الحياة ولكن * سوف تحيونَ في نفوس الكرام
كلُ فردٍ يلقى المنية دونـي * دمه الماءُ في عروق النوامـي
صوت يجيء من وراء الغيب:
بارك الله في النفوس نفوســـا * عانقت في الوغى السيوف عروسا